في لحظات الحزن. يقول لنا فيها يسوع: "انظر إليّ: أنا هنا!" «متفرقات

 

 

 

"بِاسمِ يسوعَ المَسيحِ النَّاصِريِّ، قُمّ وامشِ!" (أع 3، 6).

 

 

استدعاء الاسم الذي يحرّر وجودًا حيًّا وفعَّالًا

 

 

 

 

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، صباح الخير!

 

 

 

 

إنّ البشارة بالإنجيل في أعمال الرُّسل لا تقتصر فقط على الكلام، بل على أعمال ملموسة تشهد لحقيقة البشارة. يتعلّق الأمر بـ"أَعاجيبِ وآيات" (رسل 2، 43) تمّت على أيدي الرُّسل، فأيّدت كلامهم وأظهرت أنَّهم يتصرّفون باسم المسيح. كان الرُّسل يتوسّطون ويسوع يقوم بالمعجزات، فيعمل معهم ويؤيّد كلمته بما يصحبها من الآيات (مر 16، 20). إنّ الكثير من العلامات، والكثير من المعجزات التي صنعها الرُّسل، كانت تهدف لإظهار ألوهيّة يسوع.

 

 

 

 

إنّنا اليوم أمام أوّل رواية شفاء، أمام معجزة، والتي هي أوّل رواية شفاء في سفر أعمال الرُّسل، التي لها مقصد إرساليّ واضح، ويهدف إلى تحريك الإيمان. كان بطرس ويوحنّا صاعدين ليُصلّيا في الهيكل، مركز الخبرة الإيمانيّة لإسرائيل، والذي كان المسيحيّون الأوائل لا يزالوا مرتبطون به ارتباطًا وثيقًا.

 

 

 

كان المسيحيّون الأوائل يصلّون في هيكل أورشليم. يحدّد لوقا الساعة: كانت السَّاعةَ الثَّالِثَةَ بَعدَ الظُّهْر، حين تُقدّم الذبيحة كعلامة على شركة الشعب مع إلهه؛ هي أيضًا الساعة التي مات فيها يسوع مقدّمًا ذاته ذبيحة "مرّة واحدة" وللأبد (عب 9، 12؛ 10، 10). فرأوا على باب الهيكل المعروف بالباب "الحسن" –الباب الحسن- متسوّلًا، رجلًا كسيحًا منذ ولادته. لماذا كان عند الباب ذاك الرَّجل؟ لأنَّ شريعة موسى (أح 21، 18) كانت تحظّر تقدمةَ الذبيحة على ذوي الإعاقات الجسديّة، والتي كانت تُعتبر ثمرة لذنبٍ ما.

 

 

لنتذكّر أنّ الجمع سأل يسوع إزاء شخص أعمى منذ ولادته: "من أخطأ، هو أم والديه، كي يولد هو أعمى؟" (يو 9، 2). وفقًا لتلك العقليّة، هناك دائمًا ذنبٌ في أصل أيّة إعاقة. حتى أنّهم مُنعوا من دخول الهيكل. هناك كان المُعاق، الذي هو نموذج العديد من المستبعدين والمهملين من المجتمع، يتسوّل، كان هناك، كلّ يوم. لم يكن يستطيع الدخول، إنّما كان عند الباب. فحدث شيء غير متوقّع: وصل بطرس ويوحنّا وبدأت لعبة النظرات. نظر المعوّق إليهما ليستعطي، أمّا الرسولان فحدّقا به، ودعاه للنظر إليهما بطريقة مختلفة، كي ينال عطيّة مختلفة. نظر إليهما، فقال له بطرس: "لا فِضَّةَ عِندي ولا ذَهَب، ولكِنِّي أُعْطيك ما عندي: بِاسمِ يسوعَ المَسيحِ النَّاصِريِّ، قُمّ وامشِ!" (رسل 3، 6). لقد أقام الرسولان علاقةً معه، لأنّ هذه هي الطريقة التي يحبّ بها الله إظهار نفسه فيها، في العلاقة، دومًا من خلال الحوار، دومًا في الظهورات، دومًا في إلهامات القلب: إنّها علاقات الله معنا؛ من خلال لقاء حقيقيّ بين الأشخاص، لا يمكن أن يحدث إلّا بالمحبّة.

 

 

 

 

كان الهيكل أيضًا، بالإضافة إلى كونه المركز الدّيني، مكانًا للتبادل الاقتصاديّ والمالي: وكان قد شجب هذا التدنّي الأنبياءُ وحتى يسوع نفسه (لو 19، 45- 46) عدّة مرّات. ولكن كم من مرّة أفكّر أنا في هذا الأمر عندما أرى بعض الرعايا تُعطى فيها أهمّية للمال أكثر منها للأسرار! من فضلكم! كنيسة فقيرة: لنطلب هذا من الربّ. فلم يجد هذا المتسوّل المالَ حين التقى بالرُّسل، بل وجد الاسم الذي يُخلّص الإنسان: يسوع المسيح الناصريّ. استدعى بطرس اسم يسوع، وأمر الكسيح بالوقوف، كالأحياء: واقفًا، ولَمَس هذا المريض، أي أنّه أخذه بيده وأقامه، وهذا عمل يرى فيه القدّيس يوحنّا فمّ الذهب "صورة للقيامة" (عظات حول أعمال الرسل، 8).

 

 

 

وهنا تظهر صورة الكنيسة، التي ترى الذين يواجهون المحن، ولا تغمض أعينها، بل تعرف كيف تنظر إلى البشريّة في وجهها، كي تقيم علاقات ذات معنى، وجسور من الصداقة والتضامن بدلاً من الحواجز. يظهر وجه "كنيسة بلا حدود تشعر بأنّها أمّ الجميع" (فرح الإنجيل، 210)، وتعرف كيف تأخذ الشخص بيده وترافقه لتقيمه –لا لتحكم.

 

 

 

فيسوع يمدّ يده على الدوام، يحاول دومًا أن يقيم، أن يقود الناس إلى الشّفاء، وإلى أن تكون سعيدة، وإلى اللقاء بالله. هذا هو "فنّ المرافقة" الذي يتميّز بالرقّة التي يقترب بها المرء من "الأرض المقدّسة التي هي الآخر"، فيعطي المسارَ "إيقاعَ قربٍ خلاصيّ، مع نظرة احترام ملؤها الرحمة ولكنّها في الوقت عينه تشفي، وتحرّر وتشجّع على النضوج في الحياة المسيحيّة" (ن.م.، 169). وهذا ما يفعله هذان الرّسولان مع الكسيح: ينظران إليه، ويقولان له "أنظر إلينا"، ويمدّان له أيديهما، ويقيمانه ويشفيانه. هذا ما يفعله يسوع معنا جميعًا. لنفكّر في هذا عندما نمرّ بأوقات صعبة، عندما نقترف ذنبًا ما، في لحظات الحزن. يقول لنا فيها يسوع: "أنظر إليّ: أنا هنا!" لنأخذ بيد يسوع ولنسمح له بأن يقيمنا.

 

 

 

يعلّمنا بطرس ويوحنّا بألّا نضع ثقتنا بالوسائل، التي تفيد بحدّ ذاتها، لكن بالغنى الحقيقيّ الذي هو العلاقة مع القائم من الموت. نحن نعلم في الواقع -كما يقول القدّيس بولس- أنّنا "فُقراء ونُغْني كَثيرًا مِنَ النَّاس، لا شَيءَ عندَنا ونَحنُ نَملِكُ كُلَّ شيَء" (2 قور 6، 10). كلّ ما نملك هو الإنجيل، الذي يظهر قوّة اسم يسوع الذي يصنع العجائب.

 

 

 

 

ونحن –كلّ واحد منّا- ماذا نملك؟ ما هو غنانا، ما هي ثروتنا؟ بماذا نُغني الآخرين؟ لنسأل الآب ذاكرةً ممتنّة تذكر كلّ حسنات محبّته في حياتنا، كي نشهد للجميع بالتسبيح والامتنان. لا ننسينّ: اليد ممدودة دومًا كي تساعد الآخر وتقيمه؛ إنّها يدّ يسوع التي، من خلال يدنا، تساعد الآخرين على القيام.

 

 

 

 

أرحّب بالحاضرين الناطقين باللغة العربيّة، وخاصّة بالقادمين من الإمارات العربيّة المتّحدة، ومن العراق ومن مصر ومن الشرق الأوسط. كم من مرّة نتوجّه لله طالبين منه الخيرات الماديّة، لكنّه يعلّمنا أن نطلب أوَّلا ملكوته، والباقي سيعطى لنا في وقته. إن الله بذلك يفتح قلبنا على الثروة الحقيقيّة ويشفينا من أمراضنا الماديّة والروحيّة. ليبارككم الرَّبّ جميعًا ويحرسكم دائمًا من الشرِّير!

 

 

 

 

قداسة البابا فرنسيس

المقابلة العامّة

حول أعمال الرسل

الأربعاء 7 أغسطس / آب 2019‏

قاعة بولس السادس

 

موقع الكرسي الرسولي.