كيف يدخل الإنسان ملكوت الله؟ «متفرقات

 

 

كيف يدخل الإنسان ملكوت الله. إنّه السّؤال الّذي كان يشغل بال كلّ نفسٍ مؤمنة في أيّام يسوع. فنحن نجده في سؤال الشابّ الغنيّ: "ماذا أعمل لأرث الحياة الأبديّة؟" (لو 18: 18). ولا يزال السّؤال يشغل بالنا كلّنا. فعلى الرّغم من تعاليم المسيح، نطرح هذا السؤال وكأنّ يسوع لم يعطِ جواباً.

 

 

 

لقد أعطى يسوع الجواب، ولكنّنا لا نريد أن نسمعه. فالجواب يدعونا إلى الارتقاء لنكون سماويّين في حين أنّ الملذّات تشدّنا إلى أسفل لنكون أرضيّين. الجواب يدعونا إلى أن ننظر إلى فوق، ونثـبِّت عيوننا وأذهاننا في شؤون الرُّوح في حين أنّ الحاجات اليوميّة تدعونا إلى أن ننظر إلى تحت، ونحصر كلّ اهتمامنا بأمور الأرض.

 

 

 

 

الجواب يدعونا إلى أن نرفع رؤوسنا والعالم يدعونا إلى أن نحني رقابنا. وإذ لا يتوافق روح الله مع روح العالم، نعيش في توتّرٍ، ونطرح السُّؤال مِراراً وتكراراً: ماذا نفعل لنرث الحياة الأبديّة؟ من دون أن نكون مستعدّين لسماع الجواب لأنّه لا يُحابي نزواتنا.

 

 

 

 

نحن نفتّش عن الجواب في غير مكانه. نفتّش عنه حيث راحتنا وأماننا، ولا نريد أن نغامر. وكما يقول الشّاعر: «مَن يخشى صعود الجبال يعِش أبد الدَّهر بين الحُفَر». إنّه يعيش في ظلال الوديان وظلام الكهوف. كلّ ما لديه يتعفـَّن لأنّه لا يريد أن يرى الشّمس ولا أن تتغلغل حرارتها فيه.

 

 

 

ماذا أعمل لأرث الحياة الأبديّة؟ إرفع عينيك إلى فوق. كُفّ عن النظر إلى الطعام والشّراب واللبس والمُتع. إرفع عينيكَ وانظر إلى المعلّق على الخشبة، يسوع المسيح المصلوب. أنظر إليه معرّى من ثيابه، مثخناً بالجروح والألم، اسمعه يدعوك ويقول: «تعالَ اتبعني على هذا الطريق ... إنّه طريق ضيّق، حرج، مؤلم، ولكنّه يقودكَ إلى الحياة الأبديّة».

 

 

 

«وإِنَّما الدَّينونَةُ هي أَنَّ النُّورَ جاءَ إِلى العالَم ففضَّلَ النَّاسُ الظَّلامَ على النُّور ... لِئَلاَّ تُفضَحَ أَعمالُهم». (يو3/ 20).

 

 

 

 يجدر بنا أن نخرج من ظلام الخطيئة، ونتوجّه إلى نور المسيح. كيف يكون ذلك؟ بأن نمارس بجدّيّةٍ هذه المرّة سرّ التوبة. كثيرون ينزعجون من هذا السرّ. كثيرون يعترضون ويقولون: لماذا ينبغي لي أن أعترف للكاهن؟ ألا يكفيني أن أعترف لله؟ لو قلنا لهم: حسناً، إذهب إلى الكاهن وقل له فقط: أنا خاطئ أعطني الغفران، بدون أن تقول له ما هي خطاياك، لوافقوا وكفـُّوا عن الاحتجاج. أين هي المُشكلة إذاً؟

 

 

 

المشكلة هي أنّهم لا يريدون النّور «لِئَلاَّ تُفضَحَ أَعمالُهم». أستطيع أن أتحجّج بكلِّ الحجج كي لا أقرّ بخطاياي أمام شخصٍ بشريٍّ ملموس. لكنّ هذا لن يجعلني في النّور، بل في الظلمة، والظلمة الحالكة. إنّه لن يجعلني أرفع رأسي لأرى مخلّصي، بل أتقوقع على ذاتي، وأغوص في الظلام وأقول: هكذا أفضل.

 

 

 

مَن يريد الحياة الأبديّة فليطلب من الرُّوح القدس ثلاث نِعَم:

 

1- أن يُنير ذهنه ليُدرك في العمق الظلام الّذي يسود حياته؛

 

2- أن يولّد فيه شعور الخجل والخزي والعار، فيتفطّر قلبه بسبب ما ارتكبه من آثام، ويذرف الدّموع نادماً عليها؛

 

 

3- أن يمنحه التواضع والشجاعة كي يقرّ بخطاياه أمام الكاهن بحسب ما توصي به الكنيسة.

 

 

 

 

 

الأب سامي حلاق اليسوعي.