مار شربل والعذراء «متفرقات

مَن كان للعذراءِ عبدًا، لن يُدرِكَهُ الهلاكُ أبدًا!

 

 

"إذا أحبَبتُم أن تخلـُـصُوا بسهولةٍ تعبَّدوا لِمريَمَ العذراء. فهيَ الكفيلة ُ بِخلاصِ مَن يتعبَّدُ لها".

 

إنَّ الأبَ شربل مخلوف قد ورِثَ عبادةَ العذراءِ وارتَشَفَ محبَّتها مِنْ يَنبوعين: بيتِهِ ورهبانيَّتِهِ.

 

قد نشأ الأبُ شربل في بيئةٍ وعيلةٍ قد تجسَّمَتْ عِبادَةُ مريمَ العذراءِ في عاداتها، وأخلاقِها وأقوالِها.

 

كمْ رافقَ شربِلُ الصَّغير، وكان اسمُهُ يوسُف، والدتَهُ بريجيتا إلى الكنيسةِ لحضورِ "زيّاح الصُّورة" وخاصَّة ً في شهرِ أيّار المُكرَّسِ لعبادَةِ العَذراء! كم كانت تؤثـِّرُ في روحِهِ الفتيَّةِ المُختارَةِ هذه الكلمات الحُلوة: "يا أمَّ اللهِ يا حنونة" وباقي الصّلاة الطقسيّة؟ كم حضَّتْهُ أمُّهُ على محبَّةِ مريمَ بقولها:

 

"مَن كان للعذراءِ عبدًا، لن يُدرِكَهُ الهلاكُ أبدًا!" كم جلسَ إلى جَنْبِ والدَيْهِ وإخوتِهِ مساءً حولَ المَوقدِ لِتلاوَةِ مَسبَحةِ العذراءِ وطِلبتِها؟

 

فإذا كان للتربية اليَدُ الطـُّولى في صوغِ الحياةِ وتوجيهـِها، فشربلُ قد تربَّى على روحِ التّقوى والتعبُّدِ لمريم.

 

وما كانتِ الرَّهبانيَّةُ إلّا لتُنمِي في روحِ ولدِها التقيِّ هذه العبادة التي لها المنزلةُ الفريدةُ والمُقامُ الرَّفيعُ في تقاليدِ الرَّهبانيَّةِ وعاداتها وطُقوسِها. يكفي الأب شربل أنَّهُ تتلمَذ على رجُلِ اللهِ الحَردينيّ، "قدِّيس كفيفان" والمُولعِ الشّهير: "بأمجادِ مريم"، حتّى ترسَخَ في قلبِهِ وروحِهِ محبَّةُ العذراءِ المَجيدة. ويكفيهِ أنْ يُردِّدَ في نصِّ قُدّاسِهِ المارونيّ ذِكرَ العذراءِ خَمسينَ مرَّة!! أمَّا في باقي صلواتِهِ الطقسيّةِ فتذكاراتُ العذراءِ لا تُحصى.

 

إنَّ الأبَ شربِل الذي تركَ أمَّهُ وحرَمَ نفسَهُ طوعًا مِنْ مشاهدتِها حتّى عندما جاءَتْ لِتزورَهُ في الدَّير، كان لا بُدَّ لهُ مِن الاستعاضَةِ عنها بأمٍّ أشدَّ حُبًّا وحنانًا. وما كان أحبَّ إليهِ وأحنَّ مِن أمِّهِ السَّماويَّة.

 

كم ناجاها في ساعاتِ الآلامِ وفي هجعاتِ اللّيالي! كمِ استغاثَ بها عندَ الضِّيق، وكم أنشَدَ بِثقةٍ وحُبٍّ وإيمان: "يا مريمُ أمَّ الرَّحمةِ ارحميني!!".

 

هذه الثـِّقة ُ العُظمى بمريم، هذا الاستسلامُ البنويُّ الكامِلُ لِحُبِّها الأعظم، كانا يملآنِ قلبَ الأبِ شربلَ وروحَهُ. فلا عجبَ إذا فاهَ بهذه الكلماتِ لزائِريه: "إذا أحبَبتُم أن تَخلـُصوا بسهولةٍ تعبَّدوا لِمريَم، فهي الكفيلةُ بخلاصِ مَنْ يتعبَّدُ لها". كان ذا إيمانٍ أثبتَ مِن الجبالِ بأنْ لا خلاص لهُ ولِسواهُ بدونِ مُساعَدةِ مريم. لذلكَ كان مُتمسِّكًا بعبادتها تمسُّكَ الغريقِ بالخَشبة، فما كانتْ سُبْحَتُها الورديَّة ُ تُفارِقُ أصابِعه، ولا اسمُها يُفارِقُ شَفتَيه، ولا حُبُّها قلبَهُ.

 

وشَهِدَ الذين حَضَروا ساعاتِه الأخيرةَ أنّهُ كان يُرَدِّدُ بِحرارةٍ وإيمانٍ: يا يسوع ومريم ومار يوسُف. ولا شكَّ في أنَّ هذه الأمَّ السَّماويَّة َ قد تسلّمَتْ روحَ عَبدِها الأمينِ شربل ومجَّدَتْهُ في السَّماءِ حيثُ هيَ جالِسة عَنْ يَمينِ ابنِها في مجدِه الخالِد.

 

 

 

 من كتاب "كلمات الأب شربل"

 

الأب بولس ضاهر