من هو يسوع المسيح؟ «متفرقات

 

 

 

من هو يسوع المسيح؟

 

 

 

 

من هو يسوع المسيح؟ هل نعرفه ونؤمن به حقًا؟ أسئلة مهمّة بإزاء شخصيّةٍ صارت مركز التاريخ فقسمته إلى قسمين، حتى صرنا نقول: "قبل المسيح" أو "بعد المسيح"! بيد أنّ شخصيّته الفريدة الفذّة، لم تمنع الأناجيل من أن تظهر لنا أنّ مهمّته كانت الأكثر صعوبة على الإطلاق: أعني أن يُظهر أنّ الله هو محبة ثالوثيّة، وأنّ حقيقته لا يمكن البرهان عنها إلّا عبر كلماته وأعماله وتصرّفاته وآلامه! أقول إنّ مهمّته هي الأصعب على الإطلاق - وأذكر فيما يلي بعض الصعوبات فقط:


- فمن جهةٍ كان هو المسيح المنتظر وابن داود الموعود، المولود في مدينته (بيت لحم) ليجمع "أبناء الله المشتّتين"؛ بيد أنّه من جهة أخرى لم يكن المسيح الذي يحقّق انتظارات الشعب أو التلاميذ، فكان عليه أن يمنعهم من تطبيق لقب "المسيح" عليه أو الإعلان عنه هنا وهناك كما يحلو لهم.


- ومن جهةٍ كان هو النبي الذي سبق وأنبأ عنه موسى، والذي يتقاسم مع الأنبياء مصيرهم المؤلم: فلا يكون فقط "غير مقبول" في وطنه وبين أهل بيته، بل لا يختبر مرارة "الازدراء إلا في وطنه وبين أهل بيته"، ثمّ يُذبح في أورشليم بعد أن أعلن الشعب أنّه "النبي العظيم" (لو 7 :16) و"النبي" (يو6 :14)؛ بيد أنّه من جهة أخرى ليس ذاك النبي الذي تصوّروه، وعلى التلاميذ أن يدركوا تميّزه وفرادته بالنسبة ليوحنّا المعمدان الذي هو "أعظم من نبيّ" (مت 11 :16).

 

لأجل التباسات كهذه وغيرها نرى يسوع يختار لنفسه اسمًا فريدًا: "ابن الإنسان"! ومع أنّه يمكننا تسمية أي مولود بشريّ بهذا الإسم، بيد أنّه يمكن له أن يكون ذاك "الوحيد" الذي تكلّم عنه النبيّ دانيال بأنّه "يأتي على سحاب السماء" (مت26 :64)


- بيد أنّ الصعوبة العظمى كانت بالنسبة له هي "عمل المعجزات"! فإلى أيّ مدى يا ترى يمكن للمعجزات أن تخدم رسالته فتكون "كآيات" (بحسب إنجيل يوحنا) خصوصًا أنّها تترك تأثيرات حسيّة ملموسة وتندرج في سياق الإيمان أو عدم الإيمان؟! ثمّ ما هو ردّ فعله حينما تتزاحم عليه الجموع بغرض الاستفادة من قدرته على صنع العجائب وتكثير الخبز لإطعامهم وشفاء أمراضهم ومرضاهم؟! لا شكّ أنّه وجد نفسه أمام مفارقة، فحينما كان يجد إيمانًا أو حتى "شبه إيمان" كان لا يرفض عمل المعجزات ويدع "القوّة تخرج منه"، لكن حينما كان لا يجد سوى هوس المعجبين والمستغلين أو المشكّكين والفضوليّين كان "لا يستطيع" عمل أي معجزة! لحسن حظّه أنّ الفريسيّين اتّهموه يومًا بأنّه يمارس السحر الأسود فهو "برئيس الشياطين يطرد الشياطين"؛ فكان له ذلك فرصة ليظهر من خلال ما يعمله من معجزات يوم السبت أنّه "ربّ الشّريعة"!


كم عانى يسوع في إتمامه لرسالته من سوء فهم "أهل بيته وأبناء وطنه"، ومن شكوك الفرّيسيّين وعلماء الشريعة وسوء نواياهم، ومن "غلاظة عقول" تلاميذه و"بطء فهمهم" وهذا ولا شكّ ما كان يسبب له المعاناة الأعمق!

 

يخبرنا إنجيل (متى 13/ 54-58) أنّ يسوع كان لمن سمعوه "حجر عثرة"، وكم كان ذلك يحز في نفسه وهو الذي "لم يكن يكسر القصبة المرضوضة ولا يطفئ الفتيلة المدخنة" (مت12: 20)! ولكن أليست هذه الصعوبات وغيرها التي عانى منها في حياته تشكّل "ضعفه" الذي سيظهر في أقصى حدوده في موته على الصّليب، عاريًا متروكًا من أحبّائه وحتى من أبيه؟ بيد أنّه لو تأمّلنا بالأمر قليلا، انطلاقـًا ممّا يبوحه لنا بولس في رسالته، ألا نجد في ضعف يسوع هذا النابع من حبّه وقبوله نتائج التجسّد كإنسان بين الناس ومعهم ومن أجلهم، ستتجلّى "كمال قدرة الله" (2 كور 12: 9)؟!

 

معادلة غريبة، لا يمكن فهمها إلا لأولئك الذين وصل بهم المطاف ليس فقط ليتخلّوا عن كلّ أوهام القوّة والعظمة والاتكال على الذات وعلى الناس، بل أيضًا "ليفخروا بضعفهم"، مكتفين فقط بـ"نعمة الله" التي لا يمكنها إلا تدهشهم وتفاجئهم بغير انقطاع وفي كلّ الظروف والأحوال!


ليمنحنا الرّبّ نعمته لنكون في عدادهم، فنحمل محبّته لأهل بيتنا وجماعاتنا وأوطاننا، عساهم يعرفوه ويحبّوه!
 

الأب غسّان السهويّ اليسوعيّ