مولد العذراء مريم فجر الخلاص «متفرقات

 

 

 

 

مولد العذراء مريم فجر الخلاص

 

مولد العذراء مريم، فجر خلاصٍ بدأ ينجلي،

 

هي ليست الخلاص، كما أنَّ الفجرَ هو ليس الشّمس. ميلادها جاء كما الفجر يُعلِنُ أنَّ الخلاص قد اقترب.

 

مولدها ليس كمولد أيِّ بشريٍّ آخر، والاحتفال بمولد العذراء ليس مجرّد احتفالٍ بعيد ميلاد، هو ليس ذكرى ولادة شخص الأمّ، بل هو إعلان اقتراب حدث الخلاص بشخص الابن الخالق والفادي.

 

 

بميلادها جاء الجوابُ على صرخة كاتب المزامير:

 

"انتظرتُ الرَّبَّ، انتظرتهُ نفسي، كما ينتظر الحرّاس الصبحَ والسّاهرين الفجر" (مز 129/ 5-6) كما ينتظر السّاهرين الفجر، مَن منّا لم يختبر انتظار القلق هذا؟ مَن منّا لم يقضِ ليلا ً طويلا ً من ألمٍ على فِراشِ مشفـًى، في وحدةٍ وقلقٍ، في ظلامِ ليلٍ يبدو لا ينتهي. وحدة، ظلام، صمت، قلق، لا بصيص نور لا شعاع رجاء، بل حالة ٌ من انغلاق على واقع الموت، وعلى ألمٍ يسيطر على الكيان. هي حالة ألمٍ، قلقٍ، إنّما أيضًا إنتظار. إنتظار الصباح يُعيدنا إلى اللقاء مع الآخر، يطرد واقع الوحدة والموت، يعطينا الرّجاء بأنّنا لسنا وحدنا، متروكين في ظلمة الوجود وفقدان الرّجاء.

 

 

 

أيُّ جنديٍّ يجهل معنى كما ينتظر الحرّاس الصباح؟ مَن مِنّا يجهل قلق الجنديّ من مناوبة حراسةٍ ليليّة، على جبهة حرب، وفي الظلام؟ هي مناوبته، وهو يسهر على سلامةِ المعسكر، في ليلٍ يبدو لن ينتهي، ليل من خوف، من العدو، وقلق من المجهول. وحده ضوء الصباح يُعطيهِ الطمأنينة: لقد بات العدوّ في مرمى نظره.

 

 

هي حالة بشريّتنا الخاطئة، قبل ولادة العذراء مريم: خوفٌ من ظلام الشرّ، ومن وحدةٍ سببها انقطاع علاقتنا بالله، ننوء تحت أحمال أمراضنا الرّوحيّة وجـِراح خطايانا. في الكون كنّا من دون رجاء، ومن دون المسيح، غُرباءَ عن عهود المَوعد، من دون رجاءٍ ولا إلهٍ في هذا العالم (أف 2/ 12). مولد مريم صارَ فجر الخلاص، هي الفجر الحقّ يعلن طلوع شمس البِرّ مسيحنا ومخلّصنا الأوحد.

 

 

مولد العذراء هو أيضًا يوم إعادة الجمال إلى بشريّتنا، بحوّاء أخطأنا جميعًا، ومع مريم عاد لنا الجمال الأوّل، عبر يسوع ابنها. منذ أوّل لحظة تكوّنها في حشا أمّها، عُصمت مريم من الخطيئة الأولى، فصارت مثل جنّة عدنٍ، في وسط الأولى نبتت شجرة الحياة وفي وسط مريم سوف ينمو المسيح، شجرة حياتنا الحقّة ومصدر حياتنا وخلاصنا.

 

 

مولد العذراء هو عيدٌ مسيحانيّ، وليس فقط مريميّ، هو حدث اعتلانٍ خلاصيّ، ولا معنى لهذا إن لم يهدف إلى إعلان تجسّد المسيح وسرّ الفداء الذي سوف يتحقـَّق على الصّليب، في المسيح يسوع، أنتمُ الذين كانوا بالأمس أباعِد، قد جُعلتُم أقاربَ بدمِ المسيح، إنّه سلامُنا، فقد جعلَ من الجماعتين جماعة ً واحدةً وهدمَ في جسدهِ الحاجـِزَ الذي يفصلُ بينهما، أيِ العداوة (أف 2/ 13-14). بمريم، صارت الولادة رسالة، رسالة إعلان لحضور المسيح المخلّص، الآتي ليُعيد للإنسان جماله الأوّل.

 

 

 

الأب بيار نجم المريميّ