مَن أرادَ أن يكون أوَّلَ القوم، فليكن آخرَهم جميعًا وخادمَهم «متفرقات

ً


مَن أرادَ أن يكون أوَّلَ القوم، فليكن آخرَهم جميعًا وخادمَهم


في اليوم الثاني من زيارة البابا الرّسوليّة إلى كوبا، ترأّس قداسته عند التاسعة من صباح الأحد بالتّوقيت المحلّي، القدّاس الإلهيّ في ساحة لاريفولوسيون في هافانا، وألقى عظة تمحورت حول إنجيل القدّيس مرقس (9، 30 ـ 37) وتوقّف عند السؤال الذي طرحه يسوع على تلاميذه قائلاً: "فيمَ كنتم تتجادلون في الطريق"؟ وأشار إلى أنّه سؤال قد يطرحه علينا اليوم أيضًا: عمّا تتكلمون يوميًّا؟ ما هي طموحاتكم؟ ويقول لنا الإنجيل "أنّهم ظلّوا صامتين. ففي الطريق كانوا يتجادلون في مَن هو "الأكبر" فقد خجل التلاميذ من أن يقولوا ليسوع عمّا كانوا يتكلمون.


يسوع لا يُصرّ على سؤاله، ولا يُجبرهم على أن يقولوا له عمّا كانوا يتكلّمون في الطريق، وعلى الرّغم من ذلك فقد بقي ذاك السؤال في عقل التلاميذ وقلبهم أيضًا.


"من هو الأهمّ؟"، إنّه سؤال سيرافقنا طيلة الحياة وسنُدعى للإجابة عليه في مراحل الحياة المختلفة ولا نستطيع الهروب من هذا السؤال لأنّه مطبوع في القلب، يسوع لا يخشى أسئلة النّاس. بالعكس، فهو يعرف "خفايا" قلب الإنسان، وكونه مربّ ٍ صالح فهو مستعدّ ليُرافقنا على الدّوام.


وأشار الأب الأقدس إلى أنّ يسوع يضع دائمًا أمامنا منطق المحبّة، وهو منطق يستطيع الجميع أن يعيشوه، لأنّه للجميع. وتوقّف البابا فرنسيس من ثمّ عند جواب يسوع: "مَن أرادَ أن يكون أوَّلَ القوم، فليكن آخرَهم جميعًا وخادمَهم" وأشار إلى أنّ يسوع قلَبَ منطقهم قائلاً لهم ببساطة إنّ الحياة الحقيقيّة تُعاش في الإلتزام الملموس من أجل القريب.


 الخدمة تعني بشكلٍ كبير الإهتمام بالضّعفاء في عائلاتنا ومجتمعنا وشعبنا. هم الوجوه المُتألّمة والمُعانية التي يدعونا يسوع للنظر إليها ومحبّتها بشكل ملموس. أن نكون مسيحيّين يعني أن نخدم كرامة الإخوة. نحن مدعوّون جميعًا للإهتمام بعضنا ببعض بمحبّة.


 دعا الأب الأقدس الجميع ليتذكّروا دومًا بأنّ أهميّة شعب وأمّة وأهميّة الشّخص، ترتكز دائمًا لطريقة خدمة إخوته الضّعفاء. ففي ذلك نجد إحدى ثمار إنسانيّة حقيقيّة. 


وفي ختام القدّاس الإلهيّ في هافانا، وقبل صلاة التّبشير الملائكيّ، وجّه قداسة البابا فرنسيس كلمة ضمّنها تحيّة شكر لجميع الحاضرين وقال: نوجّه نظرنا الآن إلى العذراء، أمّنا، ونسألها أن تعلّمنا أن نرى يسوع في كلِّ أخٍ جائع أو عطشان، سجين أو مريض.


فمع مريم، وعند أقدام الصّليب، نستطيع أن نفهم من هو حقـًا "الأكبر". لنتعلّم من مريم أن يكون قلبنا متنبِّهًا لحاجات الآخرين. في هذه اللّحظة، أشعر بواجب أن أتوجّه بفكري إلى أرض كولومبيا الحبيبة "حيث يسعى أبناؤها، بجهد مُتجدّد، يُحرّكهم الرّجاء، إلى بناء مجتمع سلميّ". ليعضد الدّم المُهرق لآلاف الأبرياء خلال عقود طويلة من النّزاع المسلّح، والمتّحد بدم يسوع المسيح على الصّليب، جميعَ الجهود التي تُبذل، وفي هذه الجزيرة الجميلة أيضا، من أجل مصالحة نهائيّة.


وهكذا، يمكن للّيل الطويل من الألم والعنف، وبإرادة جميع الكولومبيّين، أن يتحوّل إلى نهار لا ينتهي من الوئام والعدالة والأخوّة والمحبّة، في احترام المؤسّسات والقانون الوطنيّ والدوليّ، لكي يكون السّلام دائمًا. هذا وختم البابا فرنسيس كلمته داعيًا لرفع الصلاة من أجل جميع الذين فقدوا الرّجاء، والمُعانين من الظلم والوحدة، وللصلاة أيضًا من أجل المسنّين والمرضى والأطفال والشباب وكلّ العائلات التي تُعاني من المصاعب، كي تمسح مريم العذراء دموعهم وتعزّيهم بمحبّتها الوالديّة وتعيد إليهم الرّجاء والفرح.


إذاعة الفاتيكان.