هل تعلّم يسوع الحب في عائلته؟ «متفرقات

 

 

 

هل تعلم يسوع الحب في عائلته؟

 

 

العائلة هي المكان الذي يتعلم فيه الإنسان الحبّ. وهذا صحيح، بشكل عام الأطفال الصغار يتلقون الكثير من العطف والحنان وخبراتهم الأولى للعلاقة مع الآخر هي المداعبات والاهتمامات بشتى أشكالها. عندما لا يتحقق ذلك، يكون هناك جرح يمكنه أن يؤلم طوال الحياة. والسؤال هل تعلم يسوع الحب في عائلته؟

 

 بدون شك، فالحب الذي كان يسكن مريم ويوسف كان، كما نحن أيضاً، مشاركة مع الله نفسه، وبالتالي مع الكلمة. بمعنى آخر، حبهم كان «تجسد». في كل مكان، كان على يسوع أن يتعلم هو أيضاً أن يكون إنسان، أي كان عليه أن يختبر الحب المُستقبل والمُعطى.

 

 

 يكتب الإنجيلي لوقا(2، 40) بأن «يسوع كان ينمو بالقامة والحكمة والحظوة لدى الناس»، ويكررها بعد بضعة آيات من الفصل عينه. فالحكمة هنا تعني فن التمييز، أي القدرة على تقييم الجيد والسيء. فإذا «كبر، نما» يسوع في هذا المجال، فهذا يعني أنه في البداية لم تكن لديه هذه الحكمة. ممّا يعني أنه علينا أن نأخذ إنسانية المسيح على محمل الجد.

 

 إنه يكتشف العالم، هذا العالم الذي أتى إليه. كان يُفتن أمام جمال أزهار الحقول (متى 6، 28)، ويتفاجئ عندما يلاحظ نمو حبة الخردل الصغيرة وتمدد الطحين بتأثير عمل الخميرة (لو 13، 18 - 21). باختصار، إنه يكتشف كل الوقائع الطبيعية والإنسانية التي يشبهها «ملكوت السموات».

 

 ما عدا زيارة الرعاة والمجوس، أناجيل الطفولة تروي وتعلن لنا بشكل خاص الأحداث الرهيبة والمروّعة: اضطهاد هيرودس، الهرب إلى مصر (طريق الخروج المحرر بالاتجاه المعاكس)، إعلان سمعان، في الهيكل، بأن هذا الطفل ليس لأبويه، بل للأمم ولمجد إسرائيل، كما الإعلان عن السيف الذي سينفذ في قلب مريم، وأخيراً هرب يسوع إلى الهيكل، المقلق والمُثقل بالمعنى.

 

 فقط كلمات مريم ويسوع هي التي تستشهد بها أناجيل الطفولة: الحوار الذي تم بخصوص «ضياع يسوع»(لوقا 2/ 41 - 52)، نقد مريم وجواب يسوع القاسي على السمع مؤكداً باختصار بأنه «لا يتبع» لوالديه، بل «عليه أن يكون عند أبيه». كلمة «أب» في الآية 49 تعني أبيه السماوي، بينما في الآية 48 تعني يوسف.

 

 حرفياً لم يعد يسوع تحت سيطرة والديه. وعلى مسار هذه الصفحات، يبقى يوسف صامتاً: لا يتفوه بأي كلمة. يبدو كما لو أنه غائب، «افتراضي» نقول بلغة اليوم، مع أنه في إنجيل متى(1، 18 – 23)، يستقبل رسالة الملاك ويقرر على ضوئها بدون أن يتفوه بكلمة. هذا يعني اعتبار عائلة يسوع، كما تقدمها الأناجيل، على أنها العائلة النموذجية، هذا الأمر يتطلب بعض التوضيح.

 

 في الواقع، هذه النصوص لا تهدف لتقدم لنا عائلة نموذجية علينا تقليدها، إنها مكونة من جملة من الاستباقات، والتلميحات للقيامة: «عمل الآب»، الذي من أجله أتى يسوع في هذا العالم، سيكون عمل الفصح. لكن بالمقابل، هذا لا يعني غياب كل «درس»، إن صح التعبير، نستخلصه من أناجيل الطفولة.

 

علينا أن نكرر بأن هناك شيء ما في هذه العائلة يجعل منها مثال نحتذي به. فما هو؟ الاحترام الكامل لكل واحد منهم لشخصية ومسيرة الآخرين. في إنجيل متى (1، 18 – 23)، نرى يوسف يخضع لسر مريم. فكل كائن إنساني يعيش سر العلاقة الفريدة مع الله.

 

 أمّا بالنسبة ليوسف، الأحلام الرمزية التي تملي عليه تصرفاته، ثلاثة أحلام تتعلق بالأحداث الكبيرة من حياة العائلة، هذه الأحلام تترجم الحوار المتعذر إبلاغه والذي يعيشه مع الله. يسوع ومريم يخضعون لقراراته. وفيما يخص يسوع، عليه أن يكون عند أبيه. لكن مريم ويوسف لم يفهما، ومع ذلك احترما الطريق الذي عليه اتباعه (لو 20).

 

في تفاصيل الحياة «كان يسوع طائعاً لهما» يقول الإنجيل. كل ذلك مهم جداً بالنسبة لنا. في الكثير من الأزواج، في الواقع، قد يكون الزوج مرتبك ومتفاجئ من طريقة تصرف زوجته، وبالعكس: لم يتخيلوا ويتوقعوا الطريقة التي سيتطور كل واحد منهم، الزوج والزوجة.

 

 باختصار، ارتبطا بشريك خيالي، حلموا به. فقبول الآخر كما هو وكما يصبح عليه يفترض الوصول إلى الحب الحقيقي، الأمر الذي لا يتم لوحده وبطريقة سحرية. وهذا التطور عينه مطلوب بالنسبة للأبناء، حيث لدى الأهل الميل بأن يبرمجوا مسبقاً مستقبلهم، وأن يحلمونهم أو يتخيلونهم مختلفين عمّا هم عليه. كل هذه «الانزلاقات»، أحياناً كارثية، يمكننا تجنبها بتأملنا «بالعائلة المقدسة».

 

 

الأب رامي الياس اليسوعي.