هل من تائبٍ بين المسيحيّين؟ «متفرقات



 هل من تائبٍ بين المسيحيّين؟



تلحّ خطابات الرّسل بعد القيامة على كلمة «التّوبة». الكلمة معروفة بمعناها الأوّل لدى جميع النّاس: التّوبة هي إعتراف بالخطايا وندامة عليها. في حين أنّ المعنى المقصود بحسب جميع المفسّرين هو: «التوبة تعني التّغيير: تغيير السّلوك، تغيير الإختيارات، تغيير الأفكار، تغيير التوجّهات...»


إنّ الفارق بين المعنيَين، المعنى الشّائع والمعنى الكتابيّ هو فارق جوهريّ. ما فائدة الإعتراف بالخطأ إن لم تتبعه ندامة حقيقيّة تنوي بذل الجهد كي لا يرتكب التّائب الخطأ مرّةً أخرى؟ وهل إصلاح النّفس ينحصر في تفادي الشرّ وفعل الخير أم عليه أن يشمل كلّ مسار الحياة، كلّ الكيان؟


في هذا المجال يعلن يسوع مراحل التّوبة الحقيقيّة من خلال تصويره للرّاعي الصّالح.


المرحلة الأولى هي الإصغاء لصوت الرّاعي. إنّها مرحلة تأمّل كلمة الله والتشبّه بها. تأمّل يجعل النفس ترتوي، والقلب يطفح، من دون السّعي إلى إملاء العقل بالمعلومات. تأمّل غايته إقامة علاقةٍ مع الرّاعي، التآلف مع صوته، الإرتياح لوجوده.


المرحلة الثانية هي سماع الدّعوة وتلبيتها. كثيرون يتأمّلون الإنجيل ويحبّون سماع خطاباتٍ روحيّة وترانيم، ويرتاحون في هذا كلّه، ولكنّهم يظلّون مكانهم، وكأنّ كلام الله هدهدة إلى جانب أسرّتنا كي نغوص في النّوم ونبقى حيث نحن ساكنين خاملين. الرّاعي يدعوني باسمي ويقول: إنهض، قم، تحرّك، تعال اتبعني. هذه المرحلة هي مرحلة الإستعداد للتّغيير. فالتّغيير بدون استعدادٍ داخليّ ٍ يبقى سطحيًّا، مؤقّتًا، خارجيًّا.


المرحلة الثّالثة هي السّير على خُطى المسيح. مرحلة تجعل التّائب يتساءل على الدّوام: لو كان المسيح مكاني، ما الذي يفعله؟ كيف سيتصرّف مع أعدائي؟ كيف سيستعمل المال الذي أملكه؟ كيف سيتعامل مع مشاعره العاطفيّة والجنسيّة؟ كيف سيتصرّف تجاه فضيحةٍ أصابت شخصًا؟


هذه المراحل أساسيّة لكلّ عمليّة توبة، أيّ تغيير. إنّها لا تنظر إلى الماضي وتحاول التّوبة عمّا حدث فيه، بل تنظر إلى المستقبل وتحاول بناء حياة جديدة أفضل.


اليوم، نشعر أكثر من أيّ وقتٍ مضى، بأنّ المسيحيّين يميلون إلى التّـقوقع أمام التّهديدات الحقيقـيّة والواهمة التي يشعرون بها. وهذا التّـقوقع يمنعهم من أن يكونوا مِلحًا للطّعام وخميرة في العجين، أيّ يمنعهم عن تلبية دعوتهم في هذا العالم.


ولعلّ المشكلات التي تواجهها الكنيسة في الشّرق تدعو المسيحيّين إلى الاختيار: أن يخرجوا من تقوقعهم ويمدّوا أيديهم إلى غيرهم لبناء عالم محبّة وتفاهم وسلام، حتّى وإن كان في هذا الأمر خطر هلاكهم، أو التّـقوقع على ذواتهم بانتظار ساعة الموت. ما الذي يطلبه الرّاعي من خرافه: أن تظلّ في الحظيرة أم أن تخرج منها إلى العالم الخارجيّ لأنّه يتقدّمها؟ الإجابة عن هذا السؤال تحتاج إلى تغيير في العقليّات والمسلّمات والعادات، تحتاج إلى عمليّة توبة، فهل من تائبٍ بين المسيحيّين؟




الأب سامي حلاّق اليسوعي