هل نصلّي بشكل كاف؟ «متفرقات

 

 

 

 

 

 

هل نصلّي بشكل كاف؟

 

 

 

 

في إطار زيارته إلى مزار القديس بيو في سان جوفانّي روتوندو ترأس قداسة البابا فرنسيس صباح يوم السبت القداس الإلهي مع حشد من المؤمنين جاؤوا من مختلف أنحاء المنطقة وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة قال فيها

 

 أريد أن أتوقّف عند ثلاث كلمات: صلاة، صغر وحكمة.

 

الكلمة الأولى هي صلاة. يقدّم لنا إنجيل (متى11/ 25 -30) يسوع يصلّي، فيما تنبثق من قلبه هذه الكلمات: "أَحمَدُكَ يا أَبَتِ، رَبَّ السَّمَواتِ والأَرض..." لقد كانت صلاة يسوع عفويّة ولكنّها لم تكن شيئًا اختياريًّا بل كان من عادته أن يختلي في أماكن منعزلة ليصلّي؛ لقد كان الحوار مع الآب يحتلُّ المرتبة الأولى. وهكذا اكتشف التلاميذ أهميّة الصلاة فسألوه قائلين: "يا رب علِّمنا أن نصلّي"(لو11/ 1).

 

إن أردنا أن نتشبّه بيسوع علينا أن نبدأ من حيث كان يبدأ أي من الصلاة. يمكننا أن نسأل أنفسنا: نحن المسيحيون هل نصلّي بشكل كاف؟ غالبًا وعند الصلاة تتوالى إلى أذهاننا أعذار كثيرة وأمور مُستعجلة... وأحيانًا نترك الصلاة بسبب نشاطنا الذي لا يكتمل أبدًا عندما ننسى "النصيب الأفضل".

 

يساعدنا في هذا الأمر القديس بيو لأنّه أراد أن يترك لنا الصلاة إرثًا وكان يوصي: "صلّوا كثيرًا يا أبنائي، صلّوا على الدوام ولا تتعبوا أبدًا".

 

 في إنجيل متى يُظهر لنا يسوع كيف نصلّي، يقول أولاً: "أَحمَدُكَ يا أَبَتِ"(متى11/ 25) ولا يقول "أحتاج لكذا وكذا" وإنما "أحمدك". لأنّه لا يمكننا أن نعرف الآب بدون أن ننفتح بالحمد والتسبيح وبدون أن نكرِّس وقتًا له وحده.

 

إن العلاقة الشخصيّة والمثول بصمت أمام الرب هما السرُّ للدخول بشركة معه على الدوام. يمكن للصلاة أن تولد كطلب، حتى كتدخُّل سريع ولكنّها تنضج في التسبيح والعبادة، فتصبح عندها حقًّا شخصيّة، تمامًا كصلاة يسوع الذي يحاور الآب بحريّة: "نَعَم يا أَبَتِ، هذا ما كانَ رِضاك" (متى ۱۱، ۲٦).

 

وعندها في هذا الحوار الحر والواثق، تأخذ الصلاة حياتنا كلّها وتقدِّمها لله.

 

لنسأل أنفسنا إذًا: هل تشبه صلواتنا صلاة يسوع أم أنها تكتفي بأن تكون صرخات طوارئ عابرة؟ أم أننا نعتبرها كمُهدئ نتناوله على جرعات منتظمة لكي نخفف الضغط قليلاً؟ لا! الصلاة هي فعل حب، هي أن نقيم مع الله ونحمل له حياة العالم: إنها عمل رحمة روحيٍّ لا غنى عنه.

 

لذلك ترك لنا القديس بيو مجموعات الصلاة وقال لها: "إنَّ الصلاة، اتحاد قوى جميع النفوس الصالحة، هي التي تحرِّك العالم وتجدّد الضمائر... تشفي الأمراض وتقدِّس العمل وتعطي القوّة النفسيّة وتنشر ابتسامة الله وبركته على كلِّ فتور وضعف". لنحفظ إذًا هذه الكلمات ولنسأل أنفسنا مجدّدًا: هل أصلّي؟ وعندما أصلّي هل أعرف كيف أُسبّح وأعبد؟ هل أعرف كيف أحمل حياتي لله بالصلاة؟

 

 الكلمة الثانية هي صِغر. في الإنجيل يحمد يسوع الآب لأنه أظهر أسرار ملكوته للصغار. من هم هؤلاء الصغار الذين يعرفون كيف يقبلون أسرار الله؟ الصغار هم الذين يحتاجون إلى الكبار ولا يمكنهم أن يكفوا ذواتهم. الصغار هم أصحاب القلوب المتواضعة والمفتوحة، الفقيرة والمعوزة والذين يتنبّهون لضرورة الصلاة والاستسلام والسماح لآخرين بأن يرافقوهم.

 

إنَّ قلوب هؤلاء الصغار هي كالهوائي الذي يلتقط إشارات الله؛ لأن الله يسعى للتواصل مع الجميع لكن الذي يتعاظم يخلق تشويشًا كبيرًا: عندما يكون المرء ممتلئًا من ذاته لا يكون هناك مكان لله لديه، لذلك يفضِّل الله الصغار ويكشف نفسه لهم، وبالتالي فالدرب للقائه هي التنازل والتصاغر والاعتراف بأننا معوزين. إنَّ سرَّ يسوع كما نرى في القربانة في كل ذبيحة إلهيّة، هو سرُّ صِغَر ومحبّة متواضعة ويمكننا أن نفهمه فقط إذا تصاغرنا وعشنا مع الصغار.

 

والآن يمكننا أن نسأل أنفسنا: هل نعرف كيف نبحث عن الله حيثما يكون؟ لدينا هنا مزارًا مميِّزًا يحضر فيه الله لأن العديد من الصغار يقيمون فيه، وقد سماه القديس بيو "هيكل الصلاة والعلم" حيث دُعي الجميع ليكونوا "مؤنة حبٍّ" للآخرين: إنّه مستشفى "Casa Sollievo della Sofferenza" لأنَّ يسوع موجود في المريض، وفي العناية المُحبَّة لمن ينحني على جراح القريب نجد الدرب للقائه. إنَّ من يعتني بالصغار يكون من طرف الله وينتصر على ثقافة الإقصاء التي تُفضِّل الأقوياء وتعتبر الفقراء عديمي الفائدة. إنَّ من يفضِّل الفقراء يعلن نبؤة حياة إزاء أنبياء الموت في كل زمن.

 

وختامًا، الكلمة الثالثة هي حكمة. يقول الله في سفر إرميا : "لا يفتخر الحكيم بحكمته ولا يفتخر الجبار بجبروته" (إرميا ۹، ۲۲). إن الحكمة الحقيقيّة لا تقوم على الحصول على مواهب كبيرة والقوّة الحقيقيّة ليست في السلطة. ليس حكيمًا من يُظهر قوّته وليس قويًّا من يجيب على الشر بالشر.

 

إنَّ السلاح الوحيد الحكيم والذي لا يُقهر هو المحبّة التي يحرِّكها الإيمان، لأنها تملك القدرة على تجريد قوى الشرِّ من أسلحتها. لقد حارب القديس بيو الشرَّ طيلة حياته وحاربه بحكمة على مثال الرب: بالتواضع والطاعة والصليب.

 

يندهش الكثيرون من هذا الأمر ولكن قليلون هم الذين يعيشونه. كثيرون يتحدّثون عن هذا الأمر بطريقة جيّدة ولكن كم منهم يتشبّهون به؟ كثيرون مستعدّون لإبداء إعجابهم بحياة القديسين الكبار ولكن من يتشبّه بهم؟ حياة المسيحي ليست مجرّد "إبداء إعجاب بـ" بل هي بذل ذات، ويفوح أريج الحياة عندما تبذل في سبيل الآخرين ولكنّها تفقد طعمها عندما نحتفظ بها لأنفسنا.

 

في سفر إرميا يشرح لنا الرب من أين ينبغي علينا أن نستقي حكمة الحياة: "ليفتخِر المُفتخر بأنّه يفهم ويعرفني" (إرميا 9/ 24) وأن نعرفه يعني أن نلتقي به، ويسوع يقول لنا في الإنجيل: "تَعالَوا إِليَّ جَميعاً أَيُّها المُرهَقونَ المُثقَلون، وأَنا أُريحُكم" (متى 11/ 28) فمن منا يمكنه أن يستثني نفسه من هذه الدعوة؟ ومن يمكنه أن يقول: "لست محتاجًا لها"؟

 

لقد قدّم القديس بيو حياته وآلامًا لا تُحصى لكي يتمكن الإخوة من لقاء الرب؛ والأداة الحازمة لهذا اللقاء كان الاعتراف وسرُّ المصالحة، هناك تبدأ الحياة الحكيمة المحبوبة والتي غُفر لها... هناك يبدأ شفاء القلب. لقد كان القديس بيو رسول كرسي الاعتراف وهو يدعونا اليوم ويقول لنا: "إلى أين تذهب؟ إلى يسوع أو إلى أحزانك؟ إلى أين تعود؟ إلى الذي يخلِّصك أم إلى يأسك وتحسُّرك وخطاياك؟ تعال إنَّ الرب ينتظرك. تشجّع ما من سبب خطير لكي تستثني نفسك من رحمته".

 

 مجموعات الصلاة ومرضى "Casa Sollievo della Sofferenza" وكرسي الإعتراف، ثلاث علامات ملموسة تذكرنا بثلاثة إراث قيّمة: الصلاة والصِغَر وحكمة الحياة. لنطلب إذًا نعمة أن نعزّزها يوميًّا في حياتنا.     

 

 

 

 

 

إذاعة الفاتيكان.