يا ابني، مغفورةٌ لك خطاياك «متفرقات

 

 

 

يا ابني، مغفورةٌ لك خطاياك

 

 

 

في الأحد الماضي كان تعليم الرَّبِّ يسوع واضح بشأن الخطيئة والتوبة والمصالحة، في مَثَل الابن الضّال. في آية شفاء المخلّع (مرقس 2: 1-12) في كفرناحوم علامة السَّير المستقيم في الحياة، كثمرة للتوبة والمصالحة.

 

فعندما تُرمَّم العلاقة مع الله والذات والناس، يستقيم المسلك الاجتماعيّ، بفضل القيم الروحيّة والاخلاقيّة والإنسانيّة التي ننالها من سماع كلام الله وممارسة سرّ التوبة والاغتذاء من جسد الربّ ودمه في ذبيحة القدّاس.


 

 

1. البيت هو بيت بطرس حيث كان يقيم يسوع. فبطرس زاد على بيته غرفة نوم ليسوع ودارًا لاستقبال الجمع. الشّعب يزدحم لسماع كلام الله الذي كان يحيي نفوسهم وينعش قلوبهم. ألم يقل بطرس ليسوع يومًا: "يا ربّ، إلى مَن نذهب، وكلام الحياة الأبديّة هو عندك؟" (يو6: 68). كان الشّعب ينسى جوعه الجسديّ. وفيه تحقّقت كلمة يسوع للشيطان مجرّبه: "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكلّ كلمة تخرج من فم الله!" (متى4: 4).

 

لهذا السبب، وبهذا المعنى، تُقام الرّياضات الرّوحيّة والمواعظ في زمن الصّوم الكبير. فإذ نصوم عن الطعام المادّي لحياة الجسد، نغتذي من كلام الله لحياة نفوسنا. يبقى صومنا ناقصًا إذا لم يقترن بالطعام السّماوي، وهو: كلمة الله وجسد الربّ ودمه. نأمل أن يتحلّق أبناء الرعيّة في كلّ يوم أحد وفي رياضات الصّوم حول المسيح الذي، بواسطة خدمة الكهنوت، يقدّم لنا مائدتَي الحياة: مائدة كلامه الحيّ والمُحيي، ومائدة جسده ودمه.

 

2. ولَّدت كلمة الله، التي كان يلقيها يسوع على الجمع، الإيمان في أربعة منهم، فذهبوا إلى القرية، وأتوا بمخلّع وهم على يقين من أنّ يسوع سيشفيه. هو إيمانهم يجسّدونه في فعل محبّة ورحمة. ولذا، زمن الصّوم الكبير، لأنّه زمن سماع كلام الله، الذي هو صلاة لكونه يرفع النّفس والقلب إلى الله، هو أيضًا زمن أعمال المحبّة والرّحمة. ثلاثة متكاملة لا تنفصم: الصّوم والصّلاة والصّدقة.

 

يشدّد النصّ على ذكر الرّجال الأربعة الذين تطوّعوا لخدمة هذا المخلّع. كانوا له رجلين بدل رجليه المشلولتين وكانوا له قوّةً بدل مرضه. نرى هنا صورةً عن الكنيسة، المجتمعة لعمل الخير. لا يستطيع الإنسان أن يحيا بمفرده، هو بحاجة ماسّة للجماعة. فإن كان اليوم قويًّا، ففي الغد يضعف. كما أنّ أكبر علّة في الحياة هي الوحدة: أي أن لا أحبّ أحدًا وأن لا يحبّني أحد أيضًا. شكّل هؤلاء الأربعة مع المخلّع جسد يسوع السّريّ". اجتمعوا سويّة "باسم يسوع"، فكان هو بينهم. يسوع هو رأس هذه الحركة التي تسعى إليه.

 

3. إيمان الرّجال الأربعة وحالة الإنسان المُقعد أجازا لهم نقب سقف الدّار، حيث كان يسوع، والجمع مزدحم من حوله وأمام الباب. ثقبوا السّقف ولم يتعرّض لهم أحد، لأنّ النّاظرين أدركوا أنّ يسوع سيشفي هذا المشلول، الذي دلّوه مع فراشه أمام يسوع.

 

علّمنا يسوع مرارًا، أنّ المرض ليس بالضرورة نقمةً نهائيّةً، بل فيه احيانًا أبوابًا نحو "الأفضل". هو فرصة حتّى يتخطّى الإنسان نفسه، ليصل إلى الله، ويوصل الآخرين أيضًا. نرى ذلك بوضوح، حين سُئل يسوع عن سبب ولادة شخص أعمى، أبخطيئته أم بخطيئة والديه؟ فكان جوابه: "ليظهر مجد الله فيه" (يو ٩: ٣).

 

4. إنّ جيل اليوم لا يفهم كيف تسلّق الرّجال الأربعة إلى السّطح، وهم حاملون المقعد، وكيف نبشوا السّقف فوق يسوع (راجع الآية 4).

 

البيوت على أيّام يسوع، كما في قرانا منذ عشرات السنين، كان لها نوع من الدرج المركّب في الحائط الخارجيّ. هي أحجار كبيرة تخرج من الحائط لتشكّل الدرج. يمكننا رؤية هذه الأدراج في بعض الكنائس القديمة. هي أدراج تسمح للرّجال بالصّعود إلى السطح لحدله أيّام الشتاء كما تسمح للنساء بوضع المؤن عليه لتجفيفها، أيّام الصيف. بما أنّ الرجال الأربعة لم يتمكّنوا من اختراق الجماعة، توجّهوا فورًا إلى الخارج، حيث الدرج ليصعدوا إلى السطح. إلاّ أنّ هذا الدرج مخطّط لصعود رجل واحد عليه. يمكننا تخيّل المشهد، ومدى صعوبة المهمّة التي قام بها هؤلاء الشبان الأربعة، ومدى الجهد والمخاطرة التي تكبّدوها. كلّ ذلك، محبّةً بالضعيف. لو كان هؤلاء الأربعة كبعض الناس اليوم، لكانوا اعتذروا فورًا من الكسيح قائلين له: "اليوم في عجقه، ما فينا نوصل. بركي بكرا".

 

من هذه المبادرة نتعلّم أنّ الحياة تتطلّب الإصرار والجهد وحتّى المخاطرة. النجاح ليس أمرًا سهلاً، وهو لا يُعطى للضعفاء والمتخاذلين. لا يمكننا بناء المستقبل بانتظار الفرصة المؤاتية، فهي لن تأتي تلقائيًّا. لا تُعطى الحياة إلا للمجتهدين. فالكسالى، حتى وإن ورثوا الثروات، نراهم يبدّدونها منحدرين إلى أسفل. نتذكّر الابن الأصغر كيف بدّد حصّته من ميراث أبيه (لو ١٥: 11-16). يقول أحد الحكماء: "الله يرزق العصفور حبّات القمح. إلاّ أنّه لا يحضرها له إلى العشّ".

 

السقف مكوّن من أغصان شجر وفوقها قشّ وفوق القشّ تراب. لذلك كان من الممكن نبش السقف عبر إزالة هذه الطبقة من التراب والقش والأغصان. ولكن كلّنا يعرف أنّ السقف هو أساس البيت. وأيّ تخريب فيه سيؤدّي حتمًا إلى أضرار كبيرة يتطلّب إصلاحها جهدًا لا يستهان به. من ناحية أخرى، عملية الحفر طبعًا تطلّبت وقتًا وهبط خلالها التراب والقش على الجالسين وعلى يسوع. نتساءل، كيف لم يعترض أحد؟ أين صاحب البيت؟ ولكن كون البيت بيت يسوع، هذا ما شجّعهم على القيام بما قاموا به. وهذا دليل على مدى ثقة هؤلاء بيسوع وبمحبّته وتفهّمه. يعلمون علم اليقين كم يحبّ يسوع المرضى. وأنّه يضحّي بأي ّ شيء، حتّى بسقف بيته من أجلهم.

 

5. إنّ يسوع الذي ضحّى بسقف دارته، الذي يمكن إعادته، من أجل شفاء إنسان مقعد، سيضحّي بذاته ذبيحة فداء على الصّليب، من أجل خلاص البشريّة جمعاء وشفائها من مرض الخطيئة والموت الرّوحي الذي تؤدّي إليه.

 

لقد تعلّمنا من هذا المشهد معنى "الفقر الإنجيلي" الذي طوّب يسوع أصحابه في عظة الجبل: "طوبى للفقراء بالرّوح، فإنّ لهم ملكوت السّموات" (متى5: 3). ربّما يعتقد البعض أنّ امتلاك يسوع لغرفة نوم ودار في بيت سمعان – بطرس في كفرناحوم يتعارض مع قوله: "للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار، وأمًا ابن الإنسان فليس له موضع يسند إليه رأسه" (متى ٨: ٢٠). ولكننا الآن نفهم المعنى اللاهوتيّ العميق لهذا الإعلان. فيسوع لم يكن مشرّدًا؛ على العكس، بل له بيت محترم. إلاّ أنّ قلبه لم يكن متعلّقًا بالممتلكات. فكرّس كلّ ما يملك لخدمة الرسالة. والدليل على ذلك، عندما اضطرّ الرجال لنقب السقف لم يعترض ولم يحزن. فالخيرات هي للإنسان وليس العكس.

 

هذا هو معنى الفقر الإنجيليّ. هو ليس عوزًا وفاقة وبهدلة، بل استخدام للممتلكات بما يفيد الإنسان. هو تحرّر القلب من عبوديّة المادّة. من هنا نفهم أنّ الكنيسة المؤتمنة على الكثير، إنّما تضعه في الخدمة الاجتماعيّة والتربويّة والاستشفائيّة والإنمائيّة، كما بيّنتُ في رسالتي الراعويّة العام الماضي وكانت بعنوان: "خدمة المحبّة الاجتماعيّة".

 

6. "رأى يسوع إيمان هؤلاء الأربعة" (الآية 5). رآه في مبادرتهم وجرأتهم وفعلهم. إيمان صامت كلاميًّا وناطق بالعمل النّابع من القلب. هذا هو الإيمان الحقيقيّ الذي يُرضي الله. ولقد نبّهنا الرّبّ يسوع بقوله: "ليس مَن قال لي: يا ربّ، يا ربّ، يدخل ملكوت السّماوات، بل مَن يعمل بمشيئة أبي الذي في السّماوات (متى 7: 21). يقول القدّيس يعقوب الرّسول: "كما أنّ الجسد بلا روح ميت، كذلك الإيمان بلا أعمال ميت" (يع2: 26). وأعجب يسوع بإيمان الأربعة الذي اتّصف بالتشفّع. تكبّدوا كلّ المشقّات من أجل شفاء المقعد. بصمتهم وعملهم وإيمانهم تشفّعوا إلى يسوع ليشفيه. هذا هو معنى طلب شفاعة العذراء مريم والقدِّيسين.

 

7. فما كان من يسوع، مكافأةً لإيمانهم، إلّا أن يبادر إلى شفاء المقعد من شلله الرّوحي أوّلًا بالقول: "يا ابني، مغفورةٌ لك خطاياك"، ثمّ من شلل جسده قائلًا: "قُمْ احملْ سريرك واذهبْ إلى بيتك" (الآيتان 5 و11).

 

لماذا بادر يسوع بمغفرة خطايا المقعد؟ وما هي خطيئته؟ لا يوضح لنا النصّ هذه النقطة. ولكن ما يعرضه لنا هو حال هذا الرّجل: إنّه كسيح نعم، ولكنّه أيضًا محمول من الآخرين، لا قوّة له. أو بالأحرى هو لم يعد يقاوم المرض. حتّى عندما دلّوه من السقف، لم يكلّف نفسه أن يطلب من يسوع أو أن يصيح، كما فعل مثلاً أعمى أريحا (مر١٠: ٤٧). هذه هي خطيئة الكسيح، أنّه تخلّى عن الأمل. وسوف نرى في آخر النصّ كيف سيطلب منه يسوع أن يحمل فراشه ويمشي. لم نرَ طلبًا كهذا في أيّ نصّ آخر. أراد يسوع منه أن يقوم بعمل ما، بمجهود ما. هذا هو ضعف هذا الرَّجل. ما فعله يسوع هو دعوته إلى الحياة من جديد. أخرجه من الموت إلى الحياة. وما التوبة سوى "عودة" إلى الله، إلى الحياة، إلى الانخراط في حياة الكنيسة، جماعة المؤمنين.

 

8. اعترض الكتبة الحاضرون في قلوبهم على قول يسوع: "مغفورةٌ لك خطاياك" واعتبروه مجدِّفًا لأنّ الله وحده يغفر الخطايا (الآية 7). الكتبة هم معلّمو الشّريعة، كما هي حرفيًّا. ولم تنفتح قلوبهم للشّريعة الجديدة التي حملها يسوع إلى العالم، ولا لشخص يسوع. فرأوا فيه مناوئًا لهم ولسلطتهم ومكانتهم. ولم يؤمنوا به وبكلامه بالرّغم ممّا أتى من آياتٍ عظام. أمّا بالمقابل، فنيقوديمس، الفرّيسي وأحد رؤساء اليهود، قصد يسوع ليلًا وقال له: "يا معلّم، نحن نعرف أنّ الله أرسلك معلّمًا، فلا أحدٌ يقدر أن يصنع ما تصنعه أنت من الآيات، إلّا من كان الله معه" (يو 3: 2).

 

ليس الإيمان مجرّد إيمان ككلمة أو كتعلّق ببعض الحقائق الإيمانية والعقائد، وتفسيرها كما يحلو لهذا أو ذاك. ففي الكنيسة سلطة تعليميّة مؤلّفة من خليفة بطرس، الحبر الرّوماني، والأساقفة المتّحدين معه بالشّركة الكنسيّة. إليها أوكل الرّبّ يسوع تعليم الحقيقة الموحاة في الكتب المقدّسة والمنقولة عبر التّقليد الرّسولي الحيّ، على هدي أنوار الرّوح القدس. فلا يحقّ لأحد إعطاء أي تفسير آخر، وفي حال الإلتباس لا يحقّ لأحد إدانة الغير والحكم عليه، بل يعود توضيح الالتباس إلى السّلطة التعليميّة وحدها.

 

9. تفهّم الرّبّ يسوع اعتراض الكتبة. صحيح اعتقادهم أنّ "الله وحده يغفر الخطايا"، لأنّهم يجهلون أنّ يسوع إله، فصوّب اعتقادهم ببرهان قاطع، إذ قال: "ما الأسهل؟ أن يُقال للمخلّع، مغفورةٌ لك خطاياك؛ أم أن يُقال: قُمْ، احملْ فراشك وامشِ؟ ولكي تعلموا أنّ لابن الإنسان سلطانًا أن يغفر الخطايا على الأرض، قال للمخلّع: لك أقول: قمْ احملْ فراشك، واذهبْ إلى بيتك. فقام في الحال وحمل فراشه، وخرج أمام الجميع" (الآيات 9-12).

 

يشدّد الربّ يسوع على أنّ "غفران الخطايا على الأرض" يتمّ "بسلطان"، وليس من تلقاء نفسه، كما يقول البعض: "أنا اعترف لله مباشرة. لا تكفي التوبة وحدها. الخطيئة تقطع علاقتنا بربّنا. لذلك يجب أن نتصالح مع الله بالتوبة، وأن يقبل توبتنا بالغفران. ليست التوبة مجرّد أمر نفسيّ وعاطفي، بل ينقصها أن أستعيد علاقتي مع الله من خلال الإقرار بالخطيئة والندامة عليها، لكي يعيد هو، بسلطانه، ربط علاقتي به. علاقتنا بالله ليست "حقّ" للإنسان، بل هي "نعمة" منه. لذلك، إقامة هذه العلاقة أو ترميمها يتطلّبان "قرارًا" "بسلطان" الله نفسه. وهذا السّلطان منحه الربّ يسوع لرسله "على الأرض"، إذ قال لهم: "كلّ ما تربطونه على الأرض يكونُ مربوطًا في السّماوات، وكلّ ما تحلّونه على الأرض يكون محلولاً في السّماوات" (متى ١٨: ١٨).

 

وفي مساء أحد قيامته سلّم رسله، كهنة العهد الجديد، وخلفاءهم، سلطان مغفرة الخطايا، عندما "نفخ فيهم وقال: خذوا الرّوح القدس. مَن غفرتم له خطاياه تُغفر له، ومن منعتم عنه الغفران يُمنع عنه" (يو20: 22-23). وبهذا كرّس الربّ يسوع سرّ التوبة. ومنح سلطان الحلّ للكاهن، دون سواه. فلا يمكن بالتالي للمؤمن أن يتصالح مع الله مباشرة، بل فقط من خلال "سلطان الكهنوت" و"سلطان الحلّ".

 

10. ثلاث كلمات قالها يسوع للمقعد: قُمْ! احملْ! إمشِ. لفظة "قُمْ" مرتبطة بالقيامة، إنّها خلق جديد. بهذه الكلمة أعاد يسوع إلى المخلّع كلّ قواه المفقودة. لقد خلقه من جديد. هكذا تفعل نعمة الغفران في التّائب الحقيقيّ بواسطة سرّ التّوبة. يُعطى قلبًا جديدًا وروحًا مستقيمًا، كما نصلّي في صلاة المزمور: "قلبًا نقيًّا أخلقْ فيّ يا ألله، وروحًا مستقيمًا جدّد في أحشائي" (مز51: 10).

 

بكلمة "احملْ" حوّله من حالة الضّعف والحاجة إلى مساعدة الغير لكي يتحرّك في كلّ حاجاته، من حالة مفعول إلى حالة فاعل. لقد حرّره من قيوده. هكذا تفعل فينا نعمة سرّ التّوبة: تحرّرنا من قيود الأميال والتجارب التي تأسرنا، وتُضعف قوانا، فنصبح منقادين بها وإليها.

 

بكلمة "إمشِ" فتح الربّ يسوع أمامه طريقًا جديدًا يمشيه، الأمر الذي كان محرومًا منه بسبب شلله. في سرّ التوبة يفتح أمامنا المسيح الفادي طريقًا جديدًا مستقيمًا لنسلكه مع الله والذات والناس. فنعتمد على أنوار الرّوح القدس في هذا الطريق الجديد.

 

11. وينتهي النصّ باندهاش الجمع وتمجيد الله على ما رأوا (الآية 12). إنّ الليتورجيا الإلهيّة التي تجمع المؤمنين حول المسيح في كلّ يوم أحد هي تواصل لحادثة كفرناحوم: بكلمة الله ونعمة الأسرار نشفى ونتبدّل وينفتح أمام نفوسنا طريق جديد، وفيها يحضر المسيح بذبيحة ذاته الأسراريّة، عبر تحويل الخبز والخمر إلى جسده ودمه، لتحقيق ذبيحة الفداء، ولإعطائنا وليمته السماويّة. فأناشيد التسبيح والتمجيد تواصل اندهاش ذاك الجمع وتسبيحه لله.

 

 

 

ثانيًا: الإرشاد الرّسولي "فرح الحبّ"

 

ننقل اليوم من الفصل الرّابع، من نشيد المحبّة للقدِّيس بولس الرّسول (1كور13: 4-7)، ميزة الحبّ الثّامنة وهي أنّ "الحبّ لا يحنق" (الفقرتان 103 و104).

 

الحنق هو عنف داخليّ كردّة فعل على شيء خارجيّ، يضعنا في موقع الدّفاع بوجه الآخرين، كما لو كانوا أعداء مزعجين يجب تجنّبهم. تغذية العدائيّة الداخليّة لا تُجدي نفعًا بل تنتهي بانعزالنا. الحنق سليم إذا حملنا على ردّة فعل رافضة للظّلم، لكنّه يكون مضرًّا عندما يلج كلّ مواقفنا تجاه الآخرين.

 

المسيح يدعونا في الإنجيل "لننزع من عيوننا الخشبة، قبل البحث عن انتزاع القشّة من عين غيرنا" (متى 7: 5). وبولس الرّسول يوصينا "ألّا نترك الشّرّ يغلبنا" (روم 12: 21)، "وألّا نملّ من صنع الخير" (غلا 6: 9). الشّعور بالرّوح العدائيّ شيء، وقبولها وجعلها موقفًا دائمًا شيء آخر. فقد أوصانا أيضًا بولس الرّسول: "لا تغربنَّ الشّمس على غضبكم" (أفسس 4: 26).

 

لذا، يجب ألّا نُنهي نهارنا من دون صنع السّلام بين الزّوجَين في العائلة، بكلمة لطيفة أو حركة مودّة. أمام الإنزعاج من الآخر نبارك من كلّ القلب ونتمنّى له الخير، ونسأل الله أن يحرّره ويشفيه من واقعه. يوصي بطرس الرّسول: "لا تردّوا الشرّ بالشرّ، والشّتيمة بالشّتيمة. بل باركوا فترثوا البركة، لأنّكم لهذا دُعيتم" (1بطرس 3: 9).

 

 

 

*  *  *

 

صلاة

 

أيّها الرّبّ يسوع، في شفاء مخلّع كفرناحوم، أظهرتَ أنّك طبيب الأرواح والأجساد. فكما شفَيتَه من شلله بكلمة، وبذلك خلقتَ فيه دمًا جديدًا، وحيويّة جديدة، وغفرتَ خطاياه، نسألك اليوم أن تخلق فينا قلبًا جديدًا وروحًا جديدًا بقوّة نعمة الغفران التي ننالها على يدّ الكاهن في سرّ التّوبة. ونلتمس منك أن تسكب في قلوبنا وقلوب الأزواج والوالدين الحبّ الذي لا يحنق بغضب داخليّ على أمور خارجيّة، والحبّ الذي لا يواجه الشرّ بالشرّ، بل يبارك ويصلّي. فنرفع نشيد المجد والتسبيح للثالوث القدّوس: الآب والإبن والرّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.

 

 

التنشئة المسيحية - البطريرك الراعي

 الأحد الخامس من زمن الصوم الكبير - شفاء المخلّع

موقع بكركي