فَنّ الحُبّ حتى المغفرة «متفرقات

 

 

أوّل من فهم ... أوّل من حمل البشارة

 

 

يبدو في عالم اليوم أنّه من السَّهل القيام بالقتل وزرع الكراهية والخوف، أكثر من إعطاء الحياة وعيش المغفرة. مع أنّه ليس هناك ما هو أكثر أهميّة في حياة الرَّجل والمرأة من معرفة كيف نُحبّ.

 

هذا هو معيار الحياة الناجحة: «إن لم تكُن فيَّ المحبَّة فما أنا بشيء!» (1 قور 13). من منّا يستطيع أن يقول أنّه يعرف كيف يُحبّ؟ أن نُحبّ...، هذا ما يجب أن نتعلّمه حتى آخر نسمة في حياتنا، كما ينبغي أن نعرف كيف نتسامح مع أوجه النقص والأخطاء في الحبّ.

 

 

في إنجيل لوقا (7/ 36 -50) هناك عالمين يتصادمان: المرأة الخاطئة، التي أحبّت كثيرًا وفقدت طهارتها؛ وسمعان، الفريسيّ، الطاهر جدًا، لكنّه قاسٍ وقد خسر قدرته على الحبّ.

 

المرأة، التي أغواها يسوع وصلاحه، ليست خائفة من تجريد ذاتها - أمام أعين الطاهرين، سمعان ورفاقه - من كلّ الوسائل التي تستخدمها للإغراء: دموعها، قبلاتها، شعرها وعطرها. إنّها حركة تُعبّر من خلالها أمام يسوع عن تجرّدها من «الإنسان القديم»، واثقة من حبّها المُرهَف وغير خائفة من تعريَة ذاتها أمامه.

 

سمعان، الذي حافظ على طهارته (وخاصّة الشرعيّة) حتى أنّه قسّى قلبه خوفًا من فقدان هذه الطهارة الثمينة. فبالنسبة له، لا يمكنه النظر إلى هذه المرأة سوى كدخيلة تأتي لتلوّث الأجواء التي أراد أن يخلقها لاستقبال هذا «المعلّم». فاحتقر المرأة وأدان يسوع.

 

يسوع، المُحبّ الكامل، الذي يعرف ما في قلب الإنسان؛ يقول لسمعان: صحيح أنّك طاهر. ولكن إن لم تكُن الطهارة وسيلة إلى الحُبّ إنّما تُعطيك بدلاً عن ذلك الحقّ بأن تحتقر أخاك وحتى أن تُدينه فإنّها تصبح عقيمة.

 

عندما دخلتُ بيتكَ، فأنت ما قبّلتني قُبلة، ولم تغسل قدميّ أو تدهن رأسي بزيتٍ مُعطّر. محبّتك طاهرة، لكنّها قاسية! إنّني أفضّل أولئك الذين فتحوا قلوبهم، حتى وإن كانت مُثخنة بالجراح. «سمعان، أترى هذه المرأة؟» هل يمكنك أن تراها بطريقةٍ أخرى غير الإزدراء؟ لتكُن طهارتكَ سبيلاَ للمغفرة، ولأنّها أظهرت حبًّا كبيرًا فقد غُفرت لها خطاياها.  

 

 

أن نُحبّ، هو فنّ. أو إنّنا نقترب من الآخر أكثر من اللزوم فنقع في خطر فقدان طهارتنا. أو إنّنا نبتعد عنه أكثر من اللزوم خوفًا من فقدان هذه الطهارة. إنّ كلّ فنّ الحُبّ هو في هذا التوازن السّليم بين أن نكون قريبين من الآخر، وفي الوقت نفسه أن نكون بعيدين بما يكفي للاحتفاظ بنقاوتنا.

 

   يسوع فقط، القريب إلى أعمق حَدّ من كلّ واحدٍ منّا وفي الوقت ذاته بعيدٌ بما فيه الكفاية، يعيش كلّ أبعاد الحبّ الكامل. فلنعهَد إليه بدون خوف بكلّ جراحنا أو افتقارنا إلى الحبّ، واثقين بأنّه سيقول لنا، «إنّ خطاياك، خطاياك الكثيرة قد غُفرت لكَ». وبدورنا، يُمكننا حينئذٍ أن نقول، مع القدّيس بولس: «فما أنا أحيا بعد ذلك، بل المسيح يحيا فيَّ» (غل 2: 20).

 

 

 

الأب هانس بوتمان اليسوعي.