تأمّل 1: القديسة إليزابيت للثالوث الأقدس «أضواء

 

 

 

 

1.    المناولة الأولى

فمنذ اعترافها الأول، في السابعة من عمرها، أخذت تنضج تدريجياً وعند مطلع العام ١٨٩٠ كادت تصبح الابنة المثال التي تعرب لأمها عن أمنياتها بهذه العبارات:" أتمنى  لك يا أماه، كل ما فيه ترغبين. والآن و قد أصبحتُ أكبر سنًّا، سأصبح ابنة عذبة، صبورة، مطيعة، مجتهدة، لا أثير غضب أحد." يا له من منهج حياة عمل. إليزابيت لا تنفكّ عن تعداد هذه المقاصد؛ فلكم ردّدَتْ:" أوّلاً، كوني الأخت البكر، يجب أن أعطي المثل الصالح لأختي، فلن أعاندها بعد اليوم. وأخيرًا، سأكون مثالاً متواضعًا فيسعُكِ أن تهتفي: أنا أسعد الأمهات في العالم..." . وتضيف أيضًا " ... وبما أنّني آمل أن تغمرني السعادة بمناولتي الأولى، سأصبح أكثر هدوءاً، لأنني سأصلّي الى الرب كي يجعلني أفضل ممّا أنا عليه اليوم". وها هي إليزابيت تعبر في إحدى قصائدها بمنتهى البساطة والعفوية عمّا تعني لها المناولة الأولى فتقول:

في ذكرى عيد هذا اليوم

الذي جعل فيه يسوع منّي مقرًّا له،

والذي استولى الله فيه على قلبي

بهذه القوة وبهذا المقدار، حتّى أنّي منذ تلك الساعة

ومنذ هذا الحوار السرّيّ،

هذا الحديث الإلهي الساحر،

لم أعد أصبو إلاّ إلى إعطاء حياتي،

إلاّ إلى أن أعيدَ بعضًا من الحبّ الكبير

الى حبيبي في الافخارستيا،

الذي كان يستريح في قلبي الضعيف

مُغرقًا إيّاه بكلّ إحساناته.

 2.    بداية الدعوة

من تُراه يتبيّن الحياة العميقة الأغوار ويستشّفها من وراء مظهر المراهقة المتحمّسة المرحة، عاشقة الموسيقى، أو الظافرة على الدروب وهي تغنّي وتضحك وتلهو مع الرفيقات؟ إن إليزابيت كسائر القدّيسين قد عانت في بادئ الأمر من هذا التباين بين المشاركة الملهوفة في مظاهر العالم بما تفرضه من ضروريات الحياة اليومية والحياة مع الآخرين، وبين الرغبة الجامحة التي تجتذبها الى صوب عالم مغاير وحياة مختلفة صوب حبّ من لون آخر. كسائر القديسن كانت منذ طفولتها وحتى آخر يوم من حياتها منقادة، ليس رغمًا عنها وإنما بملء إرادتها، صوب مصيرها الفريد ؛ أن تكون راهبة كرملية. فمن هي الراهبة الكرملية بالنسبة لإليزابيت للثالوث؟

"الراهبة الكرملية هي نفسٌ نظرت إلى المصلوب، وبصرت به وهو يقدّم ذاته ضحية لأبيه عن النفوس، فاختلَت تتأمل، تحت تأثير الرؤيا العظيمة، محبّة المسيح، وفهمت سرّ شعلة حبّ نفسِه، وأرادت أن تهب ذاتها كما وهبها هو!... وعلى جبل الكرمل، في غمرة العزلة والصمت والصلاة، والتأمل الذي لا ينقطع أبدًا بدأ يتواصل عبر كلّ شيء، باتت الكرمليّة تحيا كما لو كانت في السماء: من الله وحده. وهو عينه الذي سيشكّل يومًا سعادتها ويشبعها، وها هو يهبها نفسَه، ولن يعود يتركها، وهو يُقيم في نفسها؛ بل أكثر من ذلك، فكلاهما لم يعودا غيرَ "واحد". وإلى ذلك فهي جائعة إلى الصمت لتظلّ دومًا في حالة إصغاء، ولتتوغّل أبعد فأبعد في "كيانه اللامتناهي"، وهي تتماهى مع من تحبّ، وتجده في كل مكان، وتراه يشعّ خلال الأشياء كافّة أوليس هو السماء على الأرض؟!"

من خلال تتبّع سِيَر حياة القدّيسين نستشفّ أن هناك دومًا حدث حاسم  في حياتهم يحدّد دعوتهم ومسيرتهم على درب القداسة. وقد روت إليزابيت هذا الحدث كما يلي :" شارفتُ على البلوغ الرابعة عشرة من عمري، وفي يوم من هذه المرحلة، بينما كنت أقوم بفعل الشكر  بعد المناولة، تملكّني شعور لا يُقاوم يحملني على اختيار يسوع عروسًا لي لا شريك له، وبدون تأجيل أو ترددّ، ارتبطتُ به بنذر التبتّل. ولم يقل واحدنا الآخر شيئًا، وإنّما وهب واحدنا الآخر نفسه في غمرة حبّ شديد الى حدّ ان قراري أن أكون له أصبح قاطعًا أكثر من ذي قبل".