تاريخ الوردية المقدّسة «أضواء

 

في القرن العاشر الميلادي بدأ الرهبان ، الذين لا يقدرون أن يحفظوا المزامير، يفترض عليهم عدد من الصلاة الربانية50 مرة أو 150 مرة، ونشأت بعد ذلك مزامير مريمية تشبيهًا بمزامير أبينا داود النبيّ، لاشتمالها على مائة وخمسين من السلام عليك يا مريم ... نظير عدد المزامير.

وتوجد مخطوطات من ألمانية وبريطانية وفرنسا وإنجلترا تعود للقرن الثالث عشر الميلادي تؤكد أن القديس عبد الأحد (1170-1221) وهو واعظ دومينيكاني، هو الذي اخترع الوردية المقدسة في مغارة التجأ إليها في غابة على مقربة من مدينة تولوز في فرنسا، وهو الذي نشر جماعة أخوية الوردية في قلونيا ومدن أخرى من ألمانيا وهولندا في نهاية القرن الخامس عشر. وفي حبرية الطيب الذكر قداسة البابا اكليمنس الثامن ( 1592-1605)  أعلن في مدينة روما أن من ألّف أخوية للوردية هو القديس عبد الأحد.

وعلى حسب مخطوط رقم 402 من كلية جسد المسيح بكمبرج CAMDRIBGE    وهو يعود لسنة 1150 ويحوي على نصائح لتلاوة السلام عليك يا مريم... والمسبحة مقسمة لكل سرّ عشر أبيات.وربما من هذا الوقت جاءت فكرة ألخمسين السلام عليك يا مريم. وأيضًا نشأت من هنا حبوب الوردية على هيئة حبل من الحبوب، وفي هذا المنوال قال القديس ايرنيموس: " وتلك الحبلة كانت عقدًا منضّدًا بالأسرار، وما أشبهها بسلسلة الوردية التي بها ينجو الخطأة من تنكيل النقمة الإلهية" . وقد قيل من المعاصرين إن سلسلة الوردية بربطها كل حبة من حبات المسبحة بأختها، تشير إلى ارتباط الأخوة الذين يشتركون بها مع بعضهم.

وقد كتب مؤرخي الفترة هذه أن ملك فرنسا لويس القديس، كان يركع 50 مرة كلّ مساء ويقول: السلام الملائكي، وكانت امرأة تدعى JEUIALIE    كانت تصلي 150 مرة السلام الملائكي بسرعة فظهرت لها مريم العذراء فوبختها لأجل سرعتها في تلاوة السلام الملائكي، وبعد هذا الظهور بدأت تتلي السلام الملائكي 50 مرة بطريقة بطيئة. وأيضًا القديس AIBERT    الذي توفي في سنة 1140 كان يتلي السلام الملائكي في صلواته الشخصية.

وفي سنة 1216 أسس القديس عبد الأحد رهبنة الدومنيكان " الإخوة الوعاظ "، وكان من بين الرهبان الأولين الأب دي لاروش. فعمل الأبوان معاً على تنسيق المسبحة، واغناها بإدخال الأسرار إليها للتأمل بحياة يسوع وحياة مريم أمه، وكان ذلك سنة 1217 وسمياها المسبحة الوردية، مقسمة إلى ثلاثة أقسام هي: أسرار الفرح، أسرار الألم، أسرار المجد. وكل قسم مقسم بدوره إلى خمسة أبيات، وكل بيت يتألف من عشر حبات. وقد قسمت الثلاث أسرار على اعتبار أن حياة يسوع المسيح، وحياة أمه العذراء مريم المشتركة معه بسر التجسد، وبسر الفداء، وقد مرت بثلاث مراحل هي: الفرح، والألم، والمجد. وبين كل بيت وآخر يضاف حبة كبيرة منفردة مخصصة لتلاوة الصلاة الربية التي تعود إلى عهد الرسل.

وأضاف الأبوان عبد الأحد ودي لاروش إلى هذه المسبحة الصليب، لأن كل مسيحي يبدأ أعماله وصلاته بإشارة الصليب. وقرب الصليب حبة منفردة مخصصة لتلاوة قانون الإيمان النيقاوي. ثم هنالك الثلاث حبات للتأمل بالصفات الثلاث التي تتمتع بها العذراء مريم دون سواها: فهي ابنة الآب، وأم الابن، وعروسة الروح القدس.

وفي سنة 1572 قد عين البابا غريغوريوس الثالث عشر (1572- 1585) يوم 7 أكتوبر عيد الوردية. وفي سنة 1683 قد استجاب قداسة البابا اينوشنسيوس الحادي عشر(1676-1689)  لطلب ملك بولونيا جان سوبيسكي تخصيص شهر أكتوبر بكامله لعبادة المسبحة الوردية. وفي سنة 2002 قد وجه قداسة البابا يوحنا بولس الثاني(1979-2005) إرشاد رسولي في المسبحة الوردية تحت عنوان " مسبحة العذراء مريم "، يعلن فيه سنة مكرسة للمسبحة الوردية. ومن المعلوم أن البابا يوحنا بولس الثاني كان شغوفاً في تكريم العذراء لذلك اتخذ في بداية حبريته شعارا: " إنني بكليِّتي لكِ يا مريم ". ومن خلال هذا الإرشاد أضاف الأب الأقدس أسرار النور إلى الأسرار الثلاثة المذكورة سابقاً حيث يقول في المقدمة: " إلى مريم الكلية الطهارة سلمت هذه الألفية الجديدة. أريد أن أشهد على الثقة ببادرتين رمزيتين هما: أن أنشر وثيقة مكرسة لصلاة المسبحة " مسبحة العذراء مريم ".أن أعلن " سنة المسبحة الوردية " التي ستستمر من  شهر أكتوبر 2002 إلى  شهر نوفمبر 2003 ".

ثم يستعرض الأب الأقدس الأسباب التي دعته لإضافة الأسرار الجديدة بالقول: " إذا أردنا أن نتمكن من أن نقول قولاً كاملاً إن الوردية هي ملخص الإنجيل، فإنه بعدما ذكرنا التجسد وحياة المسيح الخفية " أسرار الفرح "، وتوقفنا عند الآلام والموت " أسرار الألم "، وعند بهجة القيامة " أسرار المجد ". يليق بنا أن نوجه تأملنا إلى بعض أحداث من حياة يسوع العلنية التي تتصف بمعان عميقة " أسرار النور ".

إن إضافة هذه الأسرار الجديدة لا تشوه صيغة الصلاة التقليدية، بل تهدف إلى وضعها في صلب الروحانية المسيحية، وتجلب إليها انتباه المؤمنين، لأنها تعبر عما في أعماق قلب يسوع من فرحٍ ونورٍ وألمٍ ومجد"، ويحتفل بعيد مريم العذراء سلطانة الوردية المقدسة في الأحد الأول من شهر أكتوبر.

إذن يعود الفضل الكبير في الوردية المقدسة لكل من القدّيس عبد الأحد والأب دي لا روش على تنسيق المسبحة وإغنائها بإدخال الأسرار إليها التأمل بحياة يسوع المسيح وحياة أمه مريم العذراء وسميّانها "المسبحة الوردية" لأنها أشبه بباقة ورد نضعها على قدميّ أمنا مريم العذراء وهذا لا يخفي أن في الورد نضارة أوراقه ولذعة أشواكه وجمال أزهاره. فنضارة أوراقه عبارة عن أسرار الفرح. ولذعة أشواكه كناية عن أسرار الألم.

وجمال أزهاره رمز على أسرار المجد. ورائحة الوردة الذكية هي أسرار النور التي أعلنها الطيب الذكر قداسة البابا يوحنا بولس الثاني. فالوردة في جمالها ورائحتها تبهج النواظر، وهكذا يسوع ووالدته يبهجان القلوب بأفراحهما، وبأشواكها تلذع، كذلك يسوع ووالدته بأوجاعهما يمسّان قلوب الخطأة بلواذع التوبة والندامة. وبرائحتها الذكية تنعش النفوس، وهكذا يسوع وأمه بأسرار مجدهما ينعشان أرواحنا برجاء المجد السماوي.

وفي سنة 1569 أستخدمت المسبحة رسمياً في حبرية البابا بيوس الخامس (1566-1572)، وذلك الحدث هو انتصار الدول الأوروبية على الأتراك في معركة "ليبانتي" يوم 7 أكتوبر سنة 1571 في عهد البابا بيوس الخامس. فقد اجتمع المؤمنون يبكون وينوحون في ساحة الفاتيكان لخوفهم من انكسار جيوشهم. طلب منهم البابا آنذاك أن يصلوا السبحة الوردية، ثم دخل غرفته، فركع أمام المصلوب وصلى السبحة الوردية وطلبة العذراء ثم خرج إلى الشرفة من جديد وهتف بالجماهير: "أبشركم بانتهاء الحرب وانتصار المسيحية".

وعلى أثر هذه الأعجوبة التاريخية أضاف البابا بيوس الخامس إلى طلبة العذراء "يا معونة النصارى". وبعد سنتين توفي هذا البابا القديس، وخلفه البابا غريغوريوس الثالث عشر. فأضاف إلى الطلبة "يا سلطانة الوردية المقدسة"، وعيَّن يوم 7  أكتوبر عيداً للوردية.  ولم تمر على هذه الحرب مئة سنة، حتى أعاد الأتراك الكرَّة بغزو أوروبا الوسطى عن طريق البر. فحاصروا مدينة "فينا" مدة عشر سنين. وكان جان سوبيسكي ملك بولونيا يقود الجيوش الأوروبية المسيحية. فلما رأى الانتصار مستعصياً والسلاح لا يفيد شيئاً، صعد على تلة وصرخ إلى العذراء صراخ النجدة وهو يلوِّح لها بسبحته. وطاف المسيحيون المحاصرون بالمدينة يصلّون السبحة الوردية.

فإذا بالذخيرة تنفذ لدى الأتراك، فيفكون الحصار عن المدينة ويتراجعون... وتنتهي الحرب. وكان ذلك يوم 12/9/1683. وقبل ذلك التاريخ بقليل، كان البابا اينوشنسيوس الحادي عشر قد عمم على العالم أجمع تخصيص شهر مايو  لتكريم العذراء مريم. فطلب منه الملك جان سوبيسكي تخصيص شهر أكتوبر بكامله لعبادة السبحة الوردية، واستجاب البابا الطلب. وفي حبرية البابا بندكتوس الرابع عشر (1740-1758) كان مسؤول من المجمع المقدس والطقوس، سئل عن التقليد  للقديس دومينيك، والوردية. وفيما يلي رده: "يجب أن تسأل عما إذا كان القديس دومينيك الأول من الوردية، وإثبات أن أنفسكم هي في شرك الحيرة والشكوك بشأن هذه المسألة.

 الوردية المقدسة في فكر باباوات روما:

- البابا لاون الثالث عشر(1878-1903):  "إن صلاة الورديّة هي عطور ذكيّة ، وقد طلبنا من شعبنا تلاوتها دوما ولا سيّما في شهري نوفمبر ومايو"

- البابا بيوس الثاني عشر(1939- 1958): "إن الوردية هي خلاصة وافية للإنجيل كله"

-البابا يوحنا الثالث والعشرون (1958-1963):  "إن صلاة الوردية هي رائعة وعالمية لتلبية احتياجات الكنيسة ، والدول والعالم بأسره"

- البابا بولس السادس(1963-1978) "التأمل في أسرار الوردية... يمكن أن تكون ممتازة استعدادا للاحتفال تلك الأسرار في نفس الإجراءات الطقسية [أي القداس] ويمكن أيضا أن تصبح مستمرة صدى منه"

- البابا يوحنا بولس الثاني(1978-2005): "كم هو جميل أن الأسرة تصلي الوردية كل مساء".

المسبحة الوردية في فكر قديسيها:

1- " إن واحِدةً من "السلامُ عليك يا مريم" إذا قيلت جيِّداً، تَهِز جَهَنم تحتَ أقدام الشياطين". (القديس يوحنا فيانيه خوري آرس)

2- "المسبحة الوردية هي سِلسِلة من "السلام عليك يا مريم" التي بواسطتِها نستطيعُ أن نهزم ونغلب ونحطم جميع شياطين جهنم". (القديس يوحنا بوسكو)

3- "بسلطان خاص معطى من الآبِ السماوي للمسبحة الوردية في هذه الأيام الأخيرة، أن لا يكون هناكَ مشكِلة شخصية أو عائلية أو إقليمية أو دولية، لا تستطيعُ صلاة المسبحة حلها".     (لوشيا (رائية العذراء في فاطمة-البرتغال)

4- "تأتي ممارسة المسبحة مباشرة بعد القداس الإلهي في إنزال نعم أكثر من أي ممارسة أخرى، ويقول "السلام عليكِ يا مريم" تصنَع المسبحة عجائِبَ أكثر من أي صلاة أخرى". (القديس منصور دي بول)

5- "واحدة من "السلام عليكِ يا مريم" إذا قيلت جيدًا (بانتِباه وتعبد وتواضع) فإنها، بحسب ما قال القديسون، هي العدو الذي يجبر الشيطانَ على الهربِ، وإنها المطرقة التي تحطمه، وإنها قداسة النفس وخصبها، وإنها فرح الملائكة ولحن المخلصين ونشيد العهد الجديد، ومجد الثالوث الأقدس ولذة مريم، وهي القبلة العفيفة المحبة التي نطبعها على وجنتيها".( القديس لويس ماري غرينيون دي مونفور).