الأربعاء التاسع من زمن العنصرة «الإنجيل

 

 

 

إنجيل اليوم (لو 11/ 42- 46)

 

 

 

42 ولكِنِ الوَيلُ لكم أَيُّها الفِرِّيسِيُّونَ، فإِنَّكم تُؤَدُّونَ عُشْرَ النَّعنَعِ والسَّذابِ وسائِرِ البُقول، وتُهمِلونَ العَدلَ ومحبَّةَ الله. فهذا ما كانَ يَجبُ أَن تَعمَلوا بِه مِن دونِ أَن تُهمِلوا ذاك.

 

43 الوَيلُ لَكم أَيُّها الفِرِّيسيُّون، فإِنَّكم تُحِبُّونَ صَدرَ المجِلسِ في المَجامِع وتَلَقِّيَ التَّحِيَّاتِ في السَّاحات.

 

44 الوَيلُ لَكُم، أَنتُم أَشبَهُ بِالقُبور الَّتي لا عَلامَة علَيها، يَمْشي النَّاسُ علَيها وهُم لا يَعلَمون".

 

45 فأَجابَه أَحَدُ عُلَماءِ الشَّريعَة: "يا مُعَلِّم، بِقَولِكَ هذا تَشتُمُنا نَحنُ أَيضًا".

 

46 فقال: "الوَيلُ لَكُم أَنتُم أَيضًا يا عُلَماءَ الشَّريعَة، فإِنَّكم تُحَمِّلونَ النَّاسَ أَحمالاً ثَقيلة، وأَنتُم لا تَمَسُّونَ هذِه الأَحمالَ بإِحْدى أَصابِعِكم.

 

 

 

أوّلاً قراءتي للنّصّ

 

 

يتوجّه يسوع "بالويل" إلى الفريسيّين، لأنّهم يتقيّدون بتأدية عشور النعنع والسذاب وسائر البقول، ويهملون ما يفرضه العدل، وما تفرضه محبّة الله، في تعاملهم الاجتماعيّ على اختلاف أنواعه ومستوياته؛ وتوجّه يسوع "بالويل" أيضًا إلى الفرّيسيّين، لأنّهم يحبّون صدور المجالس في المجامع والتحيّات في الساحات، أي استغلال مقامهم الدينيّ للحصول على المجد الباطل؛ وتوجّه يسوع "بالويل" أيضًا، إلى علماء التوراة أنفسهم، لأنّهم يحمّلون الناس أحمالاً ثقيلة، هي تفسيراتهم المعقّدة للتوراة، بينما هم، لا يحملون هذه الأحمال، ولا يساندون حامليها، حتّى ولو كانوا في حاجة إلى ذلك.

 

 

 لذلك، أنتم، أيّها الفرّيسيّون، "قبور" في داخلكم، بنواياكم النجسة، غير المستقيمة وغير المتجرّدة، والتي لا تخفى عليكم شخصيًّا، ولا تخفى على الله، ولكنّها تخفى على الناس، إذ يرون خارجهم بمظهره المرتّب والمتلائم مع المألوف في أوساط الفئات الأرقى في المجتمع.

 

 

 ألا تتبادر إلى ذهن كلّ قارئ لهذا النصّ أسئلة كثيرة، منها التالية.

 

 

 كيف انقاد الفرّيسيّون إلى هذا المستوى المتردّي في فهمهم للشَّريعة، وفي كيفيّة ممارسة فرائضها، وهم المؤتمنون عليها والحامون لها؟ ولماذا؟

 

 

 

 ولماذا، يا ترى، تسجّلت في الأناجيل المقدّسة، مواقف الفرّيسيّين المسبقة، وطرق سلوكهم الخارجيّة، هذه؟

 

ألأنّها أمثلة عامّة عن التجربة التي يتعرّض لها المؤتمنون على الوديعة الإيمانيّة في المسيحيّة؟

 

وبالتالي، بهدف تحذيرهم من الوقوع فيها، والانقياد لها؟

 

 

 

   أمر موسى (تث14/ 22-23) بأداء العشور عمّا تنبته الأرض سنويًّا؛ غالى الفرّيسيّون وأمروا بأداء العشور عن أعشاب ضئيلة القيمة، كالسّذاب الذي هو نبات برّيّ صغير الزهر، طيّب الرَّائحة، لا تقضي التوراة بتأدية العشر عنه، لأنّه برّيّ، لا جوّيّ.

 

 

 

 "وكان عليكم أن تعملوا بهذه ولا تهملوا تلك" (42): أهملت مخطوطاتٌ قديمة هذه العبارة من الآية المذكورة، لأنّ فيها حفاظًا على الممارسات الخارجيّة؛ بينما أكثر المخطوطات تثبتها، للدّلالة على أنّ يسوع ما أراد أن تُهمَل الممارسات الخارجيّة، بل أراد أن تجعل في خدمة الرُّوح والإنجيل.

 

 

 

ثانيًا "قراءة رعائيّة"

 

 

   الآية (42)

 

يقدّم المؤمن العشر لله دلالة على أنّ الله سيّد كلّ شيء؛ مَن يقدّم الجزء ممّا له، فكأنّه يقدّم الكلّ؛ وسّع الفرّيسيّون هذه الشريعة، ووصلوا بها حتّى إلى النعنع...، ونسَوا، أو وضعوا جانبًا، فرائض الشريعة الأساسيّة، كالعدل والرَّحمة والأمانة؛ كان عليهم،  كما أشار الربّ، أن يعملوا بهذه، ولا يهملوا تلك؛ هكذا حافظ يسوع على ممارسات الشريعة لمن يريد ممارستها: كالختان مثلاً: فالمؤمن الذي يمارسه لا يستفيد شيئًا، والمؤمن الذي لا يمارسه لا يخسر شيئًا.

 

 

  الآية (44)

 

كما للقبور جمال في الخارج، ونجاسة في الداخل، كذلك للفرّيسيّن، فإنّهم مثاليّون في الخارج، ونجسون في الداخل، ويخفون على الناس نجاستهم وراء مثاليّتهم؛ أمّا الله، فهو عارف بهم، وحاكم عليهم، فالويل لهم.

 

 

  الآية (46)

 

 

أضاف علماء الشريعة فرائض عديدة على شريعة موسى، وجعلوا هذه الإضافات أحمالاً باهظة على أكتاف الناس؛ ولم يعملوا شيئًا، بالمقابل، لمساعدة الناس على حملها! وقد وجدوا دائمًا الأسباب الكافية لكي يعتذروا عن القيام بمثل هذه المساعدة.

 

 

الأب توما مهنّا