سرّ الموت «القوت اليومي

إنّ لغز الوضع البشريّ، يبلغ الذروة أمام الموت.

فما يؤلِمُ الإنسان ويَقُضُّ مضجعَهُ،

ليس الألمُ وحدَهُ ولا انحطاط جسدهِ تدريجيًّا،

ولكن بالأحرى الخوفُ من فناءٍ نهائيّ.

 

وإنّهُ ليرفضُ هذا الفناء الكامل ولا يرضى بهِ،

كما أنّهُ يرفضُ هذا الخُذلان الذي لا مفرَّ لهُ منهُ، والذي يحلّ بهِ.

ورفضُهُ هذا مرتكزٌ على إلهامٍ عادلٍ يأتيهِ من أعماق قلبهِ.

 

فزرعُ الأبديّة الذي يحملهُ في نفسه،

والذي لا ينحصرُ في المادّة فقط، يثورُ ضدّ الموت.

وإنّ كلّ محاولات التّقنيّة، مهما كان نفعُها جليلا،

لتعجزعن تهدئة قلقه،

لأنّ طولَ العمر الذي يحقِّقُهُ علمُ الحياة،

لا يمكنُهُ أن يُشبع رغبتَهُ في حياةٍ أخرى،

تلك الرّغبةَ المتأصّلةَ الرّاسية في قلبه.

ولكن إذ يُبيِّنُ هنا عجزُ المُخيِّلة،

تؤكِّدُ الكنيسة المسترشدة بالوحي الإلهيّ،

أنّ الله خلق الإنسانَ لآخرةٍ سعيدةٍ، بعيدةٍ عن شقاوات العالم الحاضر.

علاوةً على ذلك، يُعلّمُنا الإيمانُ المسيحيّ أنّ هذا الموت الجسديّ،

لم يكنِ الإنسان ليخضع لهُ لولا الخطيئة،

وأنّ هذا الموتَ سيُغلَب،

عندما يُعيد المخلّصُ الرّحومُ والكليُّ القدرة إِلى الإنسان،

الخلاصَ، الذي خسرَهُ بخطيئتِهِ.

فاللهُ قد دعا ولا يزالُ يدعو الإنسان،

ليتَّحِدَ بهِ بملءِ كيانِهِ إتّحادًا أبديٍّا،

قوامُهُ حياةٌ إلهيَّة لا تتبدَّل.

إنّ هذا الإنتصار قد حقّقَهُ المسيحُ بقيامتِهِ،

محرِّرًا الإنسان من الموت بموتِهِ هو.

 

وإنّ الإيمان خليقٌ بأن يُجيبَ على تساؤُل الإنسانِ المتلهّف حول مستقبلِهِ،

إستنادًا إلى الوثائق الثابتة التي يعرضُها على كلّ إنسانٍ ليتفحَّصها.

كما أنّهُ يُقدِّمُ لنا أيضًا، بواسطة المسيح،

إمكانيّةَ الإتّحاد بإخوانٍ لنا أعزّاءَ غادَروا هذه الحياة،

فاتحًا لنا بابَ الأمل بأنَّهم وَجَدوا بقربِ اللهِ الحياة الأبديّة.

 

من وثائق المجمع الفاتيكانيّ الثاني المسكونيّ