17 أيار تذكار الأنبا سرابيون «على درب القداسة

 

 

17 أيار تذكار الأنبا سرابيون

 

 

كان هذا البارّ ناسكاً عظيمًا، أتقن الفضيلة إتقانًا عجيبًا وامتاز بفضيلة الفقر، اذ لم يكن له إلّا مئزر يستتر به ولهذا لُقـِّـبَ بالمئزريّ. ولم يكن له مسكن، بل كان يطوف واعظًا مبشِّرًا، وأحيانًا كان يبيع ذاته للكفـَّار كعبد يخدمهم، قصد أن يعظهم ويردَّهُم إلى الإيمان بالمسيح.

 

وذهب مرَّة إلى مدينة آثينا، فجال فيها ثلاثة أيَّام ولم يُعطه أحد شيئًا ليأكل، فخارت قواه جوعًا، حينئذ وقف في مكان عالٍ وأخذ يصفق بيديه وينادي: "يا أهل آثينا، إرحموني وعينوني". فتراكض النّاس إليه وسألوه عن أمره، فقال لهم: "إنّي قبطيّ خرجت من وطني ووقعت في أيدي ثلاثة أسياد وأنا مدين لهم، فنجوت بإذن الله من الإثنين، أمَّا الثالث فلم يزل يلازمني ويُضايقني، ويلحّ بطلب حقـِّه منِّي".

 

فأشكل معنى كلامه على الفلاسفة الحاضرين فأستوضحوه، فقال: "كان يُحاربني ثلاثة: رذيلة الزِّنا، ومحبَّة الفضَّة ومحبَّة البطن. فانعتقت من الإثنين الأوَّلين وانتصرتُ عليهما بقوَّة الله. أمَّا الثالث أي محبَّة البطن فلم أتمكَّن من التخلّص منه، وها قد مرَّت عليَّ أربعة أيّام، لم أذقْ فيها شيئاً. فظنّه الفلاسفة مُحتالاً يطلب الحصول على الفضة، فنقده أحدهم دينارًا، فاشترى به حالاً رغيفاً سدَّ به جوعه. فتحقـَّـق الفلاسفة صدقه وأكبروا فضيلته وأُعجبوا بطريقته الغريبة.

 

وقد سار مرَّة ً ماشياً من مصر إلى الحبشة مسافة عشرين يوماً في البرِّيَّة لكي يزور القدِّيس مرقس الناسك. وفي طريقه أتاه ملاكان بقوت تمكَّن به من مواصلة سيره. وقد سُرَّ بقدومه مرقس النّاسك، فأقام عنده مدّة ً ممارساً معه الصلوات وأنواع التقشفات، إلى أن رقد بالرّبّ في أواسط القرن الرابع، وله من العمر ستون سنة. صلاته معنا. آمين.