"أَستَطيعُ كُلَّ شيَءٍ بِذاكَ الَّذي يُقوِّيني" (فل 4، 13). «متفرقات

 

 

 

 

 

 

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، صباح الخير!

 

نتابع تأمّلنا في سرّ المعموديّة، دومًا على ضوء كلمة الله.

 

الإنجيل هو الذي ينير الذين يتحضّرون للمعموديّة ويجعلهم يؤمنون: "المعموديّة هي بطريقة خاصَّة سرّ الإيمان لأنَّها بمثابة المدخل الأسراري إلى حياة الإيمان" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، عدد 1236). والإيمان هو تسليم الذات للربّ يسوع، الذي نعترف بأنّه "عَينَ ماءٍ يَتفَجَّرُ حَياةً أَبَديَّة" (يو 4، 14)، و"نور العالم" (يو 9، 5)، و"الحياة والقيامة" (يو 11، 25)، كما تُعَلِّمُنا المسيرةُ التي يقوم بها الموعوظين اليوم أيضًا، الذين هم على وشك الحصول على أسرار التنشئة التي تُدخلهم في الحياة المسيحيّة.

 

 

يعيشُ الموعوظون مجدّدًا -إذ يتعلّمون من الإصغاء إلى يسوع وتعليمه وأعماله- خبرةَ المرأة السامريّة العطشى إلى الماء الحيّ، والأعمى منذ ولادته الذي تتفتح عينيه إلى النّور، ولعازر الذي يخرج من القبر. فالإنجيل يحمل في ذاته القوّة لتغيير مَن يقبله بإيمان، منتزعًا إيَّاه من سيطرة الشرِّير كيما يتعلّم كيف يخدم الرَّبّ بفرح وبتجديد حياة.

 

 

لا يذهب المرء أبدًا لوحده إلى جرن المعموديّة، إنَّما برفقة صلاة الكنيسة بأسرها، كما تذكّرنا به صلاة طلبة القدِّيسين التي تسبق صلاة طرد الأرواح الشرِّيرة والمسحة بزيت الموعوظين قبل المعموديّة. وهي أعمال، منذ العصور القديمة، تؤكّد للذين يتحضّرون للولادة الجديدة كأبناء لله، أن صلاة الكنيسة تعينهم في نضالهم ضدّ الشرّ، وترافقهم في درب الخير، وتساعدهم على الهروب من قوّة الخطيئة للانتقال إلى ملكوت النعمة الإلهيّة. صلاة الكنيسة. الكنيسة تصلّي وتصلّي من أجل الجميع، من أجلنا جميعًا! ونحن، الكنيسة، نصلّي من أجل الآخرين. إنَّه شيء جميل أن نصلّي من أجل الآخرين. كم من مرّة لا يكون لدينا حاجة ملحّة ومن ثمَّ لا نصلّي.

 

يجب أن نصلّي، متّحدين بالكنيسة، من أجل الآخرين: "يا ربّ، أسألك، من أجل المحتاجين، ومن أجل أولئك الذين لا يؤمنون...". لا تنسَوا: صلاة الكنيسة هي فعَّالة دومًا. ولكن يجب أن ندخل في هذه الصَّلاة ونصلّي من أجل كلّ شعب الله ومن أجل الذين يحتاجون للصَّلاة. لهذا السبب، فإن مسيرةَ الموعوظين الناضجين هي مطبوعة بتكرار لصلاة طرد الأرواح الشرّيرة يتلوها الكاهن (التعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكية، عدد 1237)، أي صلوات تدعو إلى التحرّر من كلّ ما يفصل عن الله ويمنع الاتّحاد الوثيق به.

 

 

وللأطفال أيضًا نسأل الله أن يحرّرهم من الخطيئة الأصليّة وأن يكرّسهم مسكنًا للروح القدس (رتبة معمودية الأطفال، عدد 56). الأطفال. الصَّلاة من أجل الأطفال، من أجل الصحّة الروحيّة والجسديّة. إنَّها وسيلة لحماية الأطفال عبر الصَّلاة. وكما تشهد له الأناجيل، يسوع نفسه قد حارب الأرواح الشريرة وطردها كي يظهر مجيء ملكوت الله (متى 12، 28): إن انتصاره على قوّة الشرّير تفتح مجالًا لسيادة الله التي تُفرِح وتعيد المصالحة مع الحياة.

 

 

ليست المعموديّة بصيغة سحرّية، إنّما هي هبة الرُّوح القدس التي تؤهل الذي ينالها إلى "النضال ضدّ روح الشرّ"، مع الإيمان أنّ "الله قد أرسل ابنه في العالم كي يقهر قوّة الشيطان وينقل الإنسان من الظلام إلى ملكوت نوره اللامتناهي" (رتبة معمودية الطفال، عدد 56). ونعلم من خبرتنا أن الحياة المسيحيّة هي دومًا عرضة التجارب، ولا سيَّما تجربة الانفصال عن الله، وعن مشيئته، وعن الشركة معه، لنقع مرّة أخرى في قيود إغراءات الدنيويّة. والمعموديّة تهيّئنا، وتعطينا القوّة لهذا الكفاح اليومي، وللنضال أيضًا ضدّ الشيطان الذي -كما يقول القدّيس بطرس- هو مثل أسد يحاول أن يلتهمنا، ويدمّرنا. 

 

 

بالإضافة إلى الصَّلاة، هناك أيضًا المسحة على الصدر بزيت الموعوظين، الذين "ينالون به القوّة كي يكفروا بالشيطان وبالخطيئة، قبل التقرّب من "النبع" والميلاد إلى حياة جديدة" (صلاة تبريك الزيت، المقدّمة، عدد 3). إنّ إحدى ميزات الزيت هي اختراق أنسجة الجسم مقدّمًا له كلّ منافعه، لذا فقد اعتاد المصارعون القدم على دهن ذواتهم بالزيت كي يقوّوا العضلات وكي يهربوا من قبضة الخصم بسهولة أكبر. وقد تبنّى مسيحيّو القرون الأولى، على ضوء هذا الرمز، عادةَ دهن أجساد الموعوظين بالزيت المبارك من الأسقف[1]، من أجل الدلالة، بواسطة هذه "العلامة الخلاصيّة"، إلى أن قدرة المسيح المخلّص تعطي القوّة لمكافحة الشرّير وقهره (رتبة معموديّة الأطفال، عدد 105).

 

 

من المُتعِب النضال ضدّ الشرّ، والهروب من مكائده، واستعادة القوّة بعد نضال مرهق، ولكن علينا أن نعلم أن الحياة المسيحيّة بأسرها هي نضال. وعلينا أيضًا أن نعلم أنّنا لسنا وحدنا، وأن الأمّ الكنيسة تصلّي كي لا يقع أبناؤها، الذين ولدوا مجدّدًا بالمعموديّة، في مكائد الشرّير، بل يقهروها بقوّة فصح المسيح. نحن أيضًا، وقد استمدّينا القوّة من الربّ القائم من الموت، والذي هزم سيّد هذا العالم (يو 12، 31)، يمكننا أن نكرّر بإيمان القدّيس بولس: "أَستَطيعُ كُلَّ شيَءٍ بِذاكَ الَّذي يُقوِّيني" (فل 4، 13). يمكننا الانتصار جميعًا، الانتصار في كلّ شيء، ولكن عبر القوّة التي تأتيني من يسوع.  

 

أرحّب بمودّةٍ بالأشخاصِ الناطقين باللغةِ العربيّةِ، وخاصةً بالقادمين من مِصرَ والأردنِ والشرقِ الأوسط. كلمةُ اللهِ هي النورُ الذي ينيرُ حياتَنا ويعطينا القوةَ للمشي وفقًا لإرادةِ الله، إنها درعنُا أمامَ التجاربِ، وسيفُنا الحادُ ضدّ الشريرِ وأعوانِه. غذّوا أنفسَكم كلَّ يومٍ من نبعِ كلمةِ الله الذي لا ينضب أبدًا. ليباركْكُم ‏الربُّ ‏‏جميعًا وليضيءْ طريقَكَم بنورِ كلمتِه وبقوّةِ روحه القدّوس!

 

[1]هذه هي صلاة التبريك التي تعبّر عن معنى هذا الزيت: "أيّها الربّ الإله، سند وحصن شعبك، بارك هذا الزيت الذي أردت به أن تعطينا علامة لقوتّك الإلهيّة؛ هبِ الطاقة والقوّة للموعوظين الذين سوف يُمسحون به، كيما، إذ يستنيروا بحكمتك، يفهموا بعمقٍ أكبر إنجيل المسيح؛ وإذ تساندهم قدرتك، يعيشوا بسخاء التزامات الحياة المسيحيّة؛ وإذ تأهّلوا للتبنيّ البنويّ، يذوقوا فرح الميلاد الجديد والعيش في كنيستك": صلاة تبريك الزيت، عدد 21.

 

قداسة البابا فرنسيس

المقابلة العامّة – سرّ المعموديّة

علامة الإيمان المسيحي

الأربعاء 25 أبريل/نيسان 2018‏

ساحة القدّيس بطرس

موقع الكرسي الرسولي.