إفرَحوا بِأَنَّ أَسماءَكُم مَكْتوبَةٌ في السَّموات «متفرقات

 

 

 

 

غاية رسالة يسوع هي الفرح. ربّما لأنّنا ننسى هذه الحقيقة، ننسى أن نفرح. يرسل يسوع تلاميذه "كالحملان بين الذئاب"، ويريدهم أن يفرحوا. يرغب في أن يفرحوا لا لأنّهم ينجحون في الرسالة، بل لأنّ أسماءهم معروفة، فهو دعاهم كلًّا باسمه. لن نعرف غاية إنجيل المسيح، ولن نعلن رسالته كما يجب، إن لم نعرف أيّ فرح جاء من أجله.

 

 

 

 

لا يأتي الفرح من الظروف. الظروف متقلّبة ومتغيّرة. ومن يتّكل على الظروف أن تكون موافقة له يبقى غير مكتفٍ. راقبوا كيف نستعمل كلمة "لو" لنعبّر عن عدم اكتفائنا. "لو كان أهلي مختلفين، لو كنتُ وُلدتُ في ظروف أفضل، لو كان شريك حياتي أكثر مرونة، لو كنتُ أوفر جمالاً..." كلمة "لو" تعبّر عن أنّ ظروفنا لن توافقنا مطلقًا.

 

 

 

 

الفرح الحقيقيّ هو أن أثق بأنّ حياتي تستحقّ أن تُعاش. الإنسان الفرحان يحبّ حياته، يريدها ويرغب فيها. لا لأنّ ظروفه موافقة، بل لأنّه اختار أن يقبل من هو. قلّة هم الفرحون. فأكثر الناس يظهرون وكأنّهم "يعانون" حياتهم أكثر منهم "يختارونها". أكثرهم يبدون لعبة الظروف، ينقادون لسلطانها فتستعبدهم، يحاولون التحكّم فيها فتتحكّم فيهم. منهم من يقبلون حياتهم قبولاً سلبيًّا، لأنّ لا حيلة لهم في الموضوع. ليس هذا قبول الفرح، بل هو أشبه باليأس الخفيّ، ذاك اليأس الّذي نعاني منه ويسرق منّا استمتاعنا بالحياة، ويقودنا إلى أن نبحث عن المتعة في كلّ ما ينسينا همّنا، في إدماناتنا الكبيرة والصغيرة، التي تعيدنا بعد المتعة إلى حزن أكبر... فهل من إنسان فرحان؟

 

 

 

 

لم يكن يسوع لعبة الظروف، ولم يتّكل في فرحه على موافقة الظروف. قبل حياته ومصيره، لأنّه بنى فرحه على صوت الآب الّذي دعاه قائلاً: "أنت ابني الحبيب الّذي عنه رضيت". هذا مصدر الفرح الحقيقيّ: أن أكون معروفًا بالاسم، ومحبوبًا بلا شرط. أنا أخرج من دائرة اليأس الخفيّ حين يناديني من موتي صوتٌ يدعوني باسمي لأنّه يعرفني ويحبّني. كثيرًا ما نظنّ أنّ من يعرفنا لا يحبّنا، وأنّ من يحبّنا لا يعرفنا في العمق. نقول إنّه "مغشوش". رسالة يسوع تقوم على أن يجعلنا نعرف الآب الّذي يعرفنا ويحبّنا إلى أقصى الحدود. يريد يسوع لنا فرح معرفة الآب، لأنّه يحيا من هذا الفرح: "إنّ الآب يحبّني لأنّي أبذل نفسي لأنالها ثانية. ما من أحد ينتزعها منّي بل إنّي أبذلها برضاي". (يو 10: 17-18).

 

 

 

لهذا يحذّر يسوع تلاميذه، الّذين يرسلهم ليحملوا رسالته هو، يحذّرهم من أن يبنوا فرحهم على نجاح رسالتهم. فالفرح الحقيقيّ ليس بإخضاع الأرواح والشياطين، ليس في تحقيق مثال روحيّ عظيم، ليس في بطولات نسكيّة كبيرة، وإنّما الفرح يأتي من الثقة بأنّ الآب نفسه يعرفني باسمي، ويدعوني به، الثقة بأنّ اسمي محفور في قلبه.

 

 

 

 

لا تزال رسالة يسوع عصريّة وضروريّة، فحاجتنا إلى الفرح ليست أقلّ من حاجة وجودنا إليه. ولا تزال رسالتنا المسيحيّة مهمّة في عالمنا، مهما قلّ عددنا أو كثر. ليست أفراحنا بنجاحات هنا وهناك، ولا هي بظروف موافقة ولا ببطولات عظيمة. أفراحنا تأتي من الثقة الهادئة بأنّ من خلقنا دعانا باسمنا، ومن خلّصنا كتب أسماءنا في سفره. ففرحنا أن نقبل حياتنا من يديه، واثقين بأنّه يسعى ويعمل جاهدًا في كلّ شيء ليكتمل فرحنا ونتّحد به.

 

 

 

 

بقلم الأب داني يونِس اليسوعيّ