الصوم فترة تنقية «متفرقات

 

 

الصوم فترة تنقية

 

 

يرتبط الصوم في ثقافة جميع الأديان بنظامٍ غذائيّ يختلف عن النظام العاديّ، لا في نوعيّة الأطعمة التي نتناولها وحسب، بل في طابع الزهد الذي ينبغي أن يسود هذه الأطعمة. فنحن نشهد اليوم بعض الحالات التي يمكننا أن نسمّيها: «مسخرة الصوم».

 

فنرى إهتمام الناس ينشغل بكامله بشؤون المعدة، وبدل أن يرتقي الفكر إلى أعلى المستويات، إلى الله الخالق، ينحدر إلى أسفلها، إلى مستوى الجوف، حتّى إنّ المرء يتساءل هل الصوم فترة تفنّنٍ في الطعام أم امتناع عنه.

 

إنّها مسخرة نراها في الصوم الأربعيني حيث تسعى ربّات البيوت والمحلاّت إلى إنتاج كلّ ما تعوّد الإنسان أن يشتهي أكله ولكن بتركيبةٍ صياميّة. وكأنّ حرمان المعدة من التخمة والشهوة من الإشباع حرام لا يرضى الله عنه.

 

لذلك يقول القدّيس بطرس، في كلامه على المعموديّة التي صرنا بها خليقة جديدة، أنّ ماءها ليس إزالة أقذار الجسد، بل معاهدة الله بضميرٍ صالح. هذه المعاهدة التي تجعلنا الخطيئة ننتهكها ونتدنّس، وبالتوبة والصوم نتوب ونتنقّى، فنعود إلى الإلتزام بها بضميرٍ صالح.

 

الصوم فترة تنقية. جميع الناس يعرفون ذلك ويقولون: أجل، إنّها فترة تنقيةٍ للقلب. لكنّ السؤال الأهمّ، من أين أتى التلوّث إلى القلب؟ يقول الآباء الروحيّون إنّه أتى من الحواسّ الخارجيّة والداخليّة. وبما أنّنا نسمع الكثير عن تنقية الحواسّ الخارجيّة: العين والأذن واللسان واليد، سنتكلّم اليوم على ضرورة تنقية الحواسّ الداخليّة وسنتكلّم هنا على حاسّتين التخيّل والذاكرة.

 

الحاسّة الأولى هي التخيّل. حين يخرج التخيّل عن السيطرة يولّد التشتّت والتجربة. والتشتّت يظهر عموماً في أثناء الصلاة ليبيّن للمصلّي أنّه يفتقر إلى السكينة الداخليّة. لذلك على المصلّي أن يوقف صلاته، ويبقى حاضراً بصمتٍ أمام الله ويقول لربّه: هذا الوقت محرقة لك يا ربّ. لن أفعل فيه شيئاً سوى أن أكون حاضراً أمامك. ويبقى صامتاً. كلّما أتت إلى ذهنه فكرة، تنفّس بعمقٍ وأبعدها عن ذهنه مع زفير نفسه. بعد عدّة أيّام، يلاحظ أنّ حدّة التشتّت خفّت، فيستطيع حينها أن يصلّي.

 

أمّا التخيّلات الرديئة فتنبع ممّا سمحت الحواسّ الخارجيّة له بأن يدخل إلى الداخل. ما استقبلته العين يحتفظ به الخيال ويعيد إنتاجه. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأذن واللمس. لذلك على الصائم أن يحرس حواسّه، وينتبه إلى ما يدخل إليه من هذه البوّابات.

 

الحاسّة الثانية هي الذاكرة. فالذاكرة مخزن جميع أنواع المعارف الصالحة والشرّيرة ومن الضروري تنقيتها.

 

وأوّل خطوة هي نسيان الخطايا الماضية التي تمّ الإعتراف بها، لأنّ تذكّرها يدخل اليأس إلى النفس ويهبّط الهمّة.

 

الخطوة الثانية هي الكفّ عن تذكّر الإهانات الماضية التي نلناها من الآخرين، كي نتمكّن من مسامحتهم. في هذا المجال، علينا أن نتذكّر أنّنا نحن أيضاً أهنّا الله، ولا داعي لأن نلعب دور الضحيّة البريئة.

 

والخطوة الثالثة هي تذكّر حسنات الله. كم سامحنا، وكم حمانا من الأخطار، وكم أنعم علينا. فإذا أضفنا إلى هذا عصياننا وثورتنا عليه، ستمتلئ نفوسنا بالخجل والتواضع، وسنرغب بمضاعفة إنتباهنا لكي نكون أفضل في المستقبل.

 

بقلم الأب سامي حلاق اليسوعيّ