النظر والإيمان «متفرقات

 

 

 

 

النظر والإيمان

 

 

النظر والإيمان: كلمتين مرتبطتين في أغلب الأحيان في إنجيل يوحنّا. بينما مجمل الكتاب المقدّس حّذِر أمام الإيمان الذي يتطلّب النظر للتأكد، لأن هذا يعني تجربة الله، إلزامه بأن يُبرهن عن ذاته (من هو) من خلال علامات حسيّة.

 

 فالإيمان الكتابيّ الحقيقيّ لا يأتي من النظر، إنّما من السَّماع. إنّه يكمن في الثقة بكلمة الآخر بدلاً من طلب البراهين. من هنا تأتي كلمة يسوع: «طوبى للذين يؤمنون ولم يروا!». إيماننا يَلِدْ ويتغذى من استقبال الرواية التي، بالقوّة المتجدِّدة للرُّوح القدس، تلتحق بنا من قرنٍ إلى آخر.

 

 إنّه إيمان، كما يقول القدِّيس بطرس، بهذا المسيح «الذي تحبُّونه دون أن تروه، وتؤمنون به بدون أن تروه بعد». لا شكّ بأن زمن النظر قد انتهى حيث كان يسوع يجول فلسطين. ولكنّه يعود يقول لنا يوحنّا الإنجيليّ.

 

 فالماضي هو ماضي «ذاك الذي سمعناه ذاك الذي رأيناه بعينينا ذاك الذي تأمّلناه ولمسته يدانا من كلمة الحياة»؛ والمستقبل، مستقبل كلّ واحد وواحدة منّا هو أيضاً زمن النظر «نحن نعلم أنّنا نصبح عند ظهوره أشباهه لأنّنا سنراه كما هو».

 

 بانتظار هذه اللحظات السعيدة، لحظة رؤية القائم من الموت كما يرانا هو تسير الكنيسة تحت ظلّ «الإيمان بدون النظر». لهذا السبب المعجزات التي يذكرها لنا الإنجيل، الظهورات والشفاءات التي يحبها الكثير من الناس، ليس لها دور قاطع في الإيمان. 

 

      

أمّا توما (الاسم يعني التوأم) فهو توأمنا، لأنّه، على مثالنا، لم يرَ، وأيضاً على مثالنا، يرفض أن يؤمن دون أن يرى. فالأمر الذي يخافه توما والذي حذّره منه يسوع هو الشّك وعدم الإيمان. ولهذا السبب يجيب يسوع على طلبه (يو 20، 19- 31).

 

فالمسيح هو من يأخذ المبادرة ويذهب إلى توما ويدعوه ليرى ويلمس جروحه. ثمّ يضيف: «لا تكن غير مؤمن بل كُنْ مؤمنًا»، غير مؤمن أي لا تكن شكاك بالمعنى السلبيّ للكلمة. أعتقد أنّه بإمكاننا أن نقرأ في تحذير يسوع ما يمكننا تسميته بتسامح الله، ضعفه حبًّا أمام ضعفنا حذرًا.

     

  موقف توما يوضح بطريقة تامَّة ما هي الخطيئة بحسب الكتاب المقدّس، أي الحذر أمام كلمة الله، الكلمة التي تقول لنا بأنّ الله محبّة. توما لم يؤمن بالكلمة، بأن الله هو من أجل الحياة وليس من أجل الموت.

 

 في الواقع هذه الرواية هي في النهاية مشهد مغفرة. يسوع يلبّي الرغبة الفاسدة للإنسان ويتجاوز خطيئته. إنه يأتي ويقول بأن لتلاميذه من الآن فصاعداً السلطة لمغفرة أو «لمسك» خطيئة البشر. ومباشرة، لصالح توما يغفر الخطيئة الأساسيّة، خطيئة الحذر.

      

مباشرة ولأوّل مرّة في الإنجيل وعلى فمّ توما يُدعى يسوع «الله». يرى توما ما هو حسيّ ويعترف بحضور الغير مرئيّ؛ إنّه يكتشف في الله، الممزّق بمساميرنا وبحرابنا، ضعف إلهيّ أكثر قوّة من كلِّ أنواع عنفنا.

 

 

 وبالنظر دون تردّد «إلى من طعنّا» ينتهي الإنجيليّ يوحنّا بالاكتشاف بأنّ الله محبَّة. فلو عرفنا أن نفتح أعيننا لنرى سنكتشف نحن أيضاً في كلِّ إنسان مجروح، ما يسمِّيه سِفر الرؤية «الحمل الذبيح».

 

 

 

 

 

الأب رامي الياس اليسوعي.