شهود المحبّة الاجتماعيّة «متفرقات

 

 

 

 

 

 

هو الأحد الثاني من أسابيع التذكارات الثلاثة: فتذكر الكنيسة اليوم الأبرار والصدّيقين. هم غير القدّيسين المعروفين بأسمائهم ولكلّ واحد منهم عيده الخاصّ.

 

أما "الأبرار والصدّيقون" فهم المؤمنون والمؤمنات الذين عاشوا بإخلاص إيمانهم المسيحيّ، وخدموا المحبّة الاجتماعيّة، وينعمون بمجد السَّماء، وعددهم لا يُحصى.

 

هؤلاء ينتمون إلى كنيسة السَّماء الممجَّدة، وقد استشفعناهم في الأحد الماضي، من أجل الكهنة المتوفّين ونستشفعهم في الأحد المقبل من أجل راحة الموتى المؤمنين الذين ينتمون إلى كنيسة المطهر المتألّمة. كما نستشفعهم من أجلنا نحن المسافرين على وجه الأرض وننتمي إلى الكنيسة المجاهدة.

 

 

 

 

1. (إنجيل القديس متى 25: 31-46) إنّه إنجيل الدينونة. سيُدان كلّ واحد وواحدة منّا على المحبّة الاجتماعيّة تجاه إخوة لنا في الإنسانيّة، وإخوة للمسيح المتماهي معهم، يعانون من إحدى الحالات السّتّ: الجوع والعطش والغربة والعري والمرض والأسر.

 

هذه الحالات هي جسديّة وروحيّة ومعنويّة وأخلاقيّة

 

 فالجوع جوع إلى الخبز والطعام المادّي، وجوع إلى كلام الله الذي يغذّي العقول بالحقيقة، وإلى جسد الربّ ودمه معطي الحياة الجديدة.

 

والعطش عطش إلى الماء، وعطش إلى حبّ وعاطفة إنسانيّة ومشاعر مودّة.

 

والغربة غربة عن العائلة والوطن، وغربة الشخص عن ذاته بضياعها، وغربة عن أهل البيت الذين لا يتفهّمونه في أفكاره ومشاعره وتطلّعاته وطموحاته، فينطوي على ذاته ويعيش في عالمه الخاصّ.

 

والعري عري من ثياب للصيف والشتاء ولظروف الحياة الاجتماعيّة، وتعرٍّ من الكرامة والصيت الحسن، من جرّاء النميمة والأكاذيب والإشاعات.

 

والمرض جسديّ وعصبيّ وعقليّ، وهو أيضًا مرض روحيّ بسبب حالة الخطيئة، ومرض أخلاقيّ بفقدان القيم.

 

والأسر هو في السّجن وراء قضبان الحديد، وهو أيضًا أسر الذات لأنانيّتها وانحرافاتها ومصالحها الرخيصة، وأسر لإيديولوجيّات وأشخاص من نوع الاستعباد، وأسر تحت طغيان الظلم والاستبداد والاستكبار.

 

 

 

2. الأبرار والصدّيقون هم الذين عاشوا المحبّة تجاه أيّ إنسان في إحدى حاجاته المذكورة أعلاه، أكانت جسديّة أم روحيّة أم مادّية أم معنويّة.

 

وهي حاجات نمرّ فيها كلّنا، وبالتالي نحتاج إلى محبّة من غيرنا، وفي الوقت عينه غيرنا يحتاج إلى محبّتنا. في حالة الحاجة نتماهى مع المسيح القائل: "كنتُ جائعًا، عطشانًا، غريبًا، عريانًا، مريضًا، سجينًا. ما يقتضي منّا أن نضمّ ألمنا إلى آلامه، ونجعلها أداة تقديس للذات. وفي حالة المساعدة لأيّ محتاج، إنّما نفعل ذلك للمسيح نفسه، على ما قال: "كلّ ما فعلتموه لأحد إخوتي هؤلاء الصغار، فلي فعلتموه" (متى 25: 40).

 

 

 

3. نسمّيهم أبرارًا، لأنّهم صانوا نفوسهم من شرور العالم، وسهروا عليها، وحافظوا على "البرارة الذاتيّة" المعطاة لنا في المعموديّة والميرون والمتجدّدة بنعمة الأسرار، ولاسيّما التوبة والقربان. لقد عملوا وفقًا لقول الربّ يسوع: "ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه؟" (مر8: 36).

 

ونسمّيهم صدّيقين، لأنّهم عاشوا الصدق مع ذواتهم، إذ يفعلون ما يقولون، ويعيشون وفق مقتضيات إيمانهم، ووفق صلاتهم. فلا ازدواجيّة فيهم، ولا رياء، ولا وجهان واحد خارجيّ، وواحد داخليّ. لقد مقت الربّ يسوع الازدواجيّة والرياء عند الفرّيسيِّين، ووبّخهم عليها، مستعملًا كلمة "الويل لكم".

 

لقد عاش "الأبرار والصدّيقون" بانسجام تامّ مع تعليم الكنيسة، وفي طاعة تعليمها وسلطتها وتدابيرها. فوضعوا الكنيسة فوق كلّ اعتبار شخصيّ. القدّيسة تريز دافيلا، عندما كانت تمرّ في صعوبات مع السلطة الكنسيّة كانت تردّد: "أنا ابنة الكنيسة"، وتلتزم.

 

 

 

 

 

 

البطريرك الراعي 

التنشئة المسيحية

موقع بكركي