في العائلة، الإيمان يمتزج بحليب الأم «متفرقات




في العائلة، الإيمان يمتزج بحليب الأم



إحتفل البابا فرنسيس اليوم بالقداس الإلهي في منتزه لويس سامانتيس في غواياكويل وتلا عظة للمناسبة بحضور حشد غفير من الأساقفة والكهنة والرّهبان والرّاهبات والمؤمنين وقال: "إنّ مقطع الإنجيل الذي سمعناه الآن هو أولى الأعاجيب التي اجترحها يسوع في الإنجيل بحسب القدّيس يوحنّا (يو2/1-11). إنّ همّ مريم الأموميّ يظهر عندما قالت ليسوع: "ليس عندهم خمر" ويسوع أشار الى أنّ "ساعته" ستُفهم فيما بعد بشكل تام، عند آلامه.


من الجيّد أن يكون الأمر على هذا النحوّ لأنّه سمح لنا أن نرى تعطّش يسوع للتّعليم والمرافقة والشّفاء ومنح الفرح وذلك بفضل كلمات أمّه: "ليس عندهم خمر".


إنّ عرس قانا الجليل يتكرّر مع كلّ جيل ومع كلّ عائلة ومع كلّ شخص منا ويحثّنا على أن نجهد لكي نجعل من قلبنا ثابت على حبّ قويّ ومثمر وفرِح. لنفسح المجال لمريم؛ "الأمّ" كما يسمّيها الإنجيليّ. لنسير معها الى قانا.


كانت مريم متيقّظة في حفل العرس، تهتمّ بطلبات المتزوجين الجدد. لم تنغلق على نفسها ولم تنغمس في عالمها بل حبّها جعل منها "كائنًا منفتحًا" على الآخرين. لذلك، تنبّهت الى أنّه "ليس عندهم خمر". الخمر هو علامة الفرح والمحبّة والوفرة. كم من شبّاننا ومراهقينا يدركون بأنّه لا يوجد من هذا الخمر في بيوتهم! كم من النّسوة حزينات ووحيدات يتساءلن أين الحبّ ولمَ هجر حياتهنّ؟ كم من المسنّين يشعرون بأنّهم مبعدين عن أفراح عائلاتهم، مهمّشين يتعطّشون الى الحبّ؟ يمكن لنقص "الخمر" أن يكون نتيجة فقدان العمل، الأمراض، مواقف صعبة تمرّ بها عائلاتنا. مريم ليست أمًا "متطلّبة"، ليست حماة تتفرّج على نواقصنا وأخطائنا وسهواتنا. مريم هي أمّ! هي هنا، متيقّظة ومعنيّة بالأمر!"


مريم اقتربت من يسوع بثقة، مريم تصلّي. لم تذهب الى رئيس الخدم بل أخبرت إبنها مباشرة عن مشكلة العروسين. إنمّا لم تنل جوابًا مشجّعًا: "ما لي ولكِ أيّتها المرأة" ولكنّها أوكلت هذه المشكلة الى الله فاهتمامها بحاجات الآخرين سرّع "ساعة" يسوع. هي جزء من هذه السّاعة من المغارة حتى الصّليب.

هي تعلّمنا بأن نوكل عائلاتنا الى الله، أن نصلّي، مضرمة فينا الرّجاء الذي يكشف لنا أنّ همومنا هي أيضًا هموم الله. إنّ الصّلاة ترفعنا دائمًا من همومنا. تجعلنا نرتفع عن كلّ ما يؤذينا ويغضبنا ويجعلنا نخيب وتدفعنا لأن نضع أنفسنا مكان الآخر. العائلة هي مدرسة حيث الصّلاة فيها تعلّمنا أيضًا أنّنا لسنا أناسًا وحيدين؛ نحن واحد ولدينا قريب يمدّ لنا يد المساعدة: يعيش معنا تحت سقف واحد، هو جزء من حياتنا ونجده عندما نحتاج إليه.


في النّهاية مريم تتصرّف. "مهما يقل لكم فافعلوه" هذا ما قالته للخدم وهي دعوة موجّهة إلينا نحن أيضًا لكي نفتح قلوبنا الى يسوع الذي أتى ليخدم ولا لأن يُخدَم. الخدمة هي علامة الحبّ الحقيقيّ. وهذا نتعلّمه بالأخص في العائلة حيث نصبح خدّامًا لبعضنا بعضًا بدافع المحبّة. في قلب العائلة، لا أحد مرفوض. العائلة هي المستشفى الأقرب، المدرسة الأولى للشّبيبة وأفضل ملجأ للمسنين. هي تشكّل "الغنى الإجتماعي" حيث لا يمكن أن تعوّض عنها أي مؤسسة أخرى، ويجب أن نساعدها ونعززها حتى لا تفقد المعنى الحقيقيّ للخدمات التي يمنحها المجتمع للمواطنين.


تشكّل العائلة كنيسة صغيرة، "كنيسة بيتيّة" التي تدفّق إلينا الحنان والرّحمة الإلهيّة الى جانب الحياة. في العائلة، يمتزج الإيمان بحليب الأمّ: من خلال اختبار محبّة الأهل، يمكننا أن نشعر بقرب الله منّا. وفي العائلة تُجترح العجائب بما لدينا وبما نحن عليه وبما يملكه المرء بيده... إنّ الخمر الجديد في قانا يأتي من أجرار التطهير أي من المكان الذي يتخلّى فيه الجميع عن خطاياه... "حيث تكثر الخطيئة تفيض النّعمة" (رو 5: 20)".

قبل وقت قليل من يوبيل الرّحمة، ستحتفل الكنيسة بالسينودس العاديّ حول العائلات من أجل أن يتمّ تمييز روحيّ حقيقيّ وإيجاد الحلول الملموسة للصعوبات الكثيرة والتحدّيات التي تواجهها العائلة في أيّامنا هذه. أنا أدعوكم أن تكثّفوا صلواتكم على هذه النية...


كلّ شيء بدأ مع عبارة "ليس عندهم خمر" وكلّ شيء تحقّق لأنّه امرأة – العذراء – كانت متيقّظة، عرفت أن تضع بين يديّ الربّ انشغالاتها وتصرّفت تصرّفًا شجاعًا وحكيمًا. إنّما النّتيجة النهائيّة لم تكن أقلّ أهميّة: لقد تذوّقوا أفضل خمر. وها هي البشرى السّارة: إنّ الخمرة الجيّدة سنتذوّقها قريبًا فالأجمل والأعمق والأروع ستحصل عليه العائلة. سيأتي الوقت ونتذوّق فيه الحبّ اليوميّ حيث سيكتشف أولادنا من جديد المكان الذي نتشاركه، وسيشعر المسنّون بالفرح في كلّ يوم. ستأتي الخمرة الجيدة. سيحصل عليها كلّ شخص يخاطر من أجل الحبّ. ستأتي الخمرة الجيّدة لو كلّ المعايير والإحصاءات تثبت عكس ذلك؛ ستأتي الخمرة الجيّدة لكلّ شخص يرى بأنّ كلّ شيء انهار اليوم. ردّدوا ذلك حتى تصدّقوه: ستُقدَّم الخمرة الجيّدة! طمئنوا اليائسين أو غير المحبوبين. الله يقترب دائمًا من المبعدين الذين بقوا من دون خمر، الذين لا يعرفون أن يشربوا سوى اليأس؛ يسوع يتوق لأن يقدّم لنا الخمرة الجيدة بوفرة لكلّ الأشخاص الذين لسبب أو لآخر شعروا بأنّ الأجران قد تحطّمت"


لنحتذِ بمثال مريم ونفعل "كلّ ما يأمرنا به" ولنكن شاكرين لأنّ الخمرة الجديدة، الخمرة الجيّدة، ستجعلنا نكتشف من جديد فرح أن نشكّل عائلة في وقتنا وفي ساعتنا".


إذاعة الفاتيكان