لا تقتل «متفرقات

 

 

 

أجرى البابا فرنسيس صباح يوم الأربعاء مقابلته العامَّة المعتادة مع وفود الحجَّاج والمؤمنين في ساحة القدِّيس بطرس بالفاتيكان وبدأ التعليمُ بقراءة من سفر الحكمة (11/ 25 - 27): "لكنّك ترحم جميع الناس لأنّك قادر على كلِّ شيء وتتغاضى عن خطايا الناس لكي يتوبوا لأنّك تحبّ جميع الكائنات ولا تمقت شيئاً ممَّا صنعت فإنّك لو أبغضت شيئا لما كوّنته، وكيف يبقى شيء لم ترده أم كيف يُحفظ ما لم تَدْعُه؟ إنّك تشفق على كلِّ شيء لأنَّ كلَّ شيء لك أيُّها السيِّد المحبّ للحياة".

 

 

 

تابع البابا فرنسيس سلسلة تعاليمه الأسبوعيَّة حول الوصايا العشر وتوقف هذا الأربعاء عند الوصيَّة الخامسة القائلة "لا تقتل"، وقال إنّنا وصلنا اليوم إلى الجزء الثاني من الوصايا العشر، والتي تتناول العلاقة مع القريب، وهذه الوصيَّة تشكّل سدًا منيعًا من أجل الدفاع عن القيمة الأساسيَّة في العلاقات البشريَّة، ألا وهي: قيمة الحياة.

 

 

 

وشدَّد البابا في هذا السيّاق على أنّ كلّ الشرّ الذي يعمل في هذا العالم يمكن أن يُلخّص باحتقار الحياة. فالحياة تنال منها الحروب، والمنظمات التي تستغل الإنسان والخليقة – وهذا ما نقرأه في الصحف ونشاهده في نشرات الأخبار – فضلاً عن ثقافة الإقصاء، وجميع الأنظمة التي تُخضع الوجود البشريّ للحسابات الانتهازية، في وقت يعيش فيه عدد كبير من الأشخاص في أوضاع لا تليق بالإنسان. ولفت البابا فرنسيس أيضًا إلى جريمة قتل الحياة البشريَّة في رحم الأمّ باسم الدفاع عن حقوق أخرى. وتساءَل كيف يُعقل أن يُبرّر فعل كهذا على أنّه علاجيّ أو حضاريّ أو إنسانيّ.

 

 

 

 

وسأل البابا المؤمنين إذا كان من العدل أن تُقتل حياة بشريَّة من أجل حلِّ مشكلة ما، كمن يلجأ إلى قاتل مأجور ليحل مشكلة يواجهها. وأضاف أن العنف ورفض الحياة ينبعان في الواقع من الخوف لأن قبول الآخر يشكّل تحديًّا في وجه الفردانيّة. وأوضح البابا أنّ الأمر ينطبق، على سبيل المثال، عندما يُكتشف أنّ الجنين يحمل إعاقة ما. فالوالدان في هذه المرحلة المأساويّة يحتاجان إلى التعبير عن القرب والتضامن كي يواجها هذا الواقع الصعب ويتمكّنا من تخطي المخاوف التي يمكن تفهّمها. لكن في غالب الأحيان يُنصح الوالدان باللّجوء إلى عمليَّة الإجهاض، ويتمّ الحديث في هذه الحالة عن قطع الحمْل.

 

 

 

 

 

وأكّد البابا فرنسيس أنّ الطفل المريض هو كأي شخص محتاج في هذا العالم، إنّه كالمسن الذي يحتاج إلى الرعاية، وكالفقراء السَّاعين إلى تلبية احتياجاتهم بصعوبة. فالطفل الذي يبدو أنَّه مشكلة هو في الواقع هبة من الله تساعد الإنسان على الخروج من أنانيته وعلى النمو في المحبَّة. إن الحياة الهشة تدلّنا على المخرج، وعلى الدرب التي تنقذنا من وجودٍ منغلقٍ على ذاته، وتساعدنا على إعادة اكتشاف فرح المحبَّة.

 

 

 

 

ووجّه البابا كلمة شكر إلى العديد من المتطوِّعين، خاصًّا بالذكر المتطوعين والمتطوعات الإيطاليِّين. وتساءَل فرنسيس بعدها عن الأسباب التي تحمل الإنسان على رفض الحياة، وقال إنَّها تتمثل – في المقام الأول – بأصنام هذا العالم: ألا وهي المال والسّلطة والنجاح. إنّها معايير مغلوطة تُقيّم من خلالها الحياة. فالمقياس الحقيقيّ والوحيد للحياة هو المحبَّة، المحبَّة التي أحبَّنا بها الله. والمحبَّة التي أحبَّ بها الله الحياة، كلّ حياة!

 

 

 

 

تابع البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعيّ متوقفًا عند المعنى الإيجابيّ لوصيَّة "لا تقتل"، وقال إنَّ الله يحبُّ الحياة، كما جاء في مقطع الكتاب المقدَّس الذي استمع إليه المؤمنون، ولغز الحياة يُكشف لنا من خلال الطريقة التي تعامل بها ابن الله مع الحياة عندما صار إنساناً وأخذ على ذاته – على الصَّليب – النبذ والضعف والفقر والألم.

 

 

وأكَّد البابا فرنسيس أن الرّبّ يبحث عنّا وعن قلبنا ليمنحنا فرح المحبَّة من خلال كلِّ طفل مريض، وكلِّ مسن ضعيف، وكلِّ مهاجر مُحتقر وكلِّ عائلة هشّة ومهدّدة. ولفت إلى أهميّة أن نقبل كلَّ حياة، لأنّه لا نستطيع أن نحتقر ما أحبّه الله. وينبغي أيضًا أن نقول لرجال ونساء العالم: لا تحتقروا الحياة، حياة الآخرين وحياتكم أنتم، لأنَّ الوصيَّة القائلة "لا تقتل" تتحدَّث عنها أيضًا. كما يجب أن نقول للعديد من الشبان: لا تحتقروا وجودكم، وتوقفوا عن نبذ عمل الله، إنّكم من صنع الله. وحذّر البابا من مغبة الإدمان الذي يقضي على حياة الإنسان.

 

 

 

في ختام مقابلته العامَّة وقبل أن يوجّه تحياته إلى وفود الحجَّاج والمؤمنين شدَّد البابا على ضرورة ألا تُقاس الحياة من خلال ضلالات العالم، بل لا بُدَّ أن يَقبل كلُّ واحدٍ نفسه والآخرين باسم الآب الذي خلقنا. إنَّ الله يحبُّ الحياة، وكلّنا عزيزون على قلبه حتى أرسل ابنه الوحيد من أجلنا. فالإنجيل يقول إن الله أحبَّ العالم حتى جاد بابنه الوحيد كي لا يهلك كلّ من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبديَّة.

 

إذاعة الفاتيكان.