ماذا يعني أن نلبس المسيح؟ «متفرقات

 

 

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، صباح الخير! ‏

 

 

  نختتم اليوم سلسلة التّعاليم حول المعموديّة. إنَّ النتائج الرّوحيّة لهذا السّرّ، الخفيّة للعيون وإنّما ‏فعّالة في قلب من أصبح خليقة جديدة، تظهر بتسليم الثّوب الأبيض والشّمعة المضاءة.‏

 

  بعد غسل الولادة الجديدة القادر على إعادة خلق الإنسان بحسب الله في القداسة الجديدة (أفس ‏‏٤، ٢٤)، بدا من الطبيعيّ، ومنذ القرون الأولى، إلباس المعمَّدين الجُدد ثوبًا جديدًا ناصع البياض، تشبُّهًا ‏ببهاء الحياة التي نالوها في المسيح والرّوح القدس. إنَّ الثّوب الأبيض وفيما يعبِّر بشكل رمزيٍّ عمّا ‏حصل في السّرِّ، يعلن حالة الذين تجلّوا في المجد الإلهيّ. ‏

 

ماذا يعني أن نلبس المسيح، يذكّرنا بذلك القدّيس بولس عندما يشرح ما هي الفضائل التي ينبغي ‏على المعمَّدين أن يعزّزوها: "وأَنتُمُ الَّذينَ اختارَهمُ اللهُ فقَدَّسَهم وأَحبَّهم، اِلبَسوا عَواطِفَ الحَنانِ واللُّطْفِ ‏والتَّواضُع والوَداعةِ والصَّبْر. اِحتَمِلوا بَعضُكم بَعضًا، واصفَحوا بَعضُكم عن بَعضٍ إِذا كانَت لأَحَدٍ ‏شَكْوى مِنَ الآخَر. فكما صَفَحَ عَنكُمُ الرَّبّ، اِصفَحوا أَنتُم أَيضًا. والبَسوا فَوقَ ذلِك كُلِّه ثَوبَ المَحبَّة ‏فإنَّها رِباطُ الكَمال" (كو ٣، ١٢-١٣). ‏

 

إنّ طقس تسليم الشّعلة التي تمّ إشعالها من الشّمعة الفصحيّة تذكّر أيضًا بنتيجة المعموديّة، يقول ‏الكاهن: "هاكم نور المسيح". هذه الكلمات تذكّرنا بأنّنا لسنا نحن النّور بل يسوع المسيح هو النور ‏‏(يو ١، ۹؛ ١٢، ٤٦)، الذي وإذ قام من بين الأموات انتصر على ظلمات الشّرّ. نحن مدعوّون ‏لننال بهاءه! كما تعطي الشّمعة الفصحيّة النّور للشّموع الأخرى، هكذا تُشعل محبّة الرّبّ قلوب ‏المعمَّدين وتملؤها بالنّور والدّفء. لذلك ومنذ القرون الأولى سُمِّيَ سرّ المعموديّة أيضًا "الاستنارة" ‏والمُعمّدين الجُدد كانوا يُدعَون "منوَّرين".‏

 

 

هذه هي في الواقع الدّعوة المسيحيّة: "أن نسير على الدّوام كأبناء النّور، مثابرين في الإيمان" (رتبة التنشئة المسيحيّة للبالغين، عدد ٢٢٦؛ يو ١٢، ٣٦). إن كان الأمر يتعلَّق بالأطفال فمن واجب الأهل مع العرّابين ‏والعرّابات أن يعتنوا في تغذية شعلة النّعمة في صغارهم ويساعدوهم على المثابرة في الإيمان (رتبة معموديّة ‏الأطفال، عدد ٧٣). "التربية المسيحيّة هي حقٌّ للأطفال؛ هي تتوق لقيادتهم تدريجيًّا إلى معرفة مخطّط الله في ‏المسيح: فيتمكّنوا هكذا من أن يصادقوا شخصيًّا على الإيمان الذي عُمِّدوا به" (ن.م.، المقدِّمة ‏عدد ٣).

 

إنَّ حضور المسيح الحيّ الذي يجب علينا أن نحافظ عليه وندافع عنه وننمّيه في داخلنا هو المصباح ‏الذي ينير خطانا والنّور الذي يوجِّه خياراتنا والشّعلة التي تدفئ القلوب في المسيرة للقاء الرّبّ جاعلة منَّا ‏أشخاصًا قادرين على مساعدة من يسير معنا على نفس الدّرب، وصولاً إلى الشّركة الكاملة مع الرَّب. ‏في ذلك اليوم يقول سِفر الرُّؤيا أيضًا: "لَن يَكونَ لَيلٌ بَعدَ الآن، فلَن يَحْتاجوا إِلى نورِ سِراجٍ ولا ضِياءِ ‏الشَّمْس،ِ لأَنَّ الرَّبَّ الإِلهَ سيُضيءُ لَهم، وسيَملِكونَ أَبدَ الدُّهور" (رؤ ٢٢، ٥). ‏

 

 

يُختتم الإحتفال بالمعموديّة بـصلاة "الأبانا" الخاصّة بجماعة أبناء الله. في الواقع، إنّ الأطفال ‏الذين ولدوا مجدَّدًا من المعموديّة سينالون ملء عطيّة الرّوح القدس في سرِّ التثبيت وسيشاركون في ‏الإفخارستيّا مُتعلِّمين معنى التّوجّه إلى الله ومناداته "أبّا". ‏

 

 

في ختام هذه التّعاليم حول المعموديّة، أكرّر لكلّ فرد منكم الدّعوة التي عبّرت عنها هكذا في الإرشاد ‏الرسوليّ "افرحوا وابتهجوا": "اسمح لنعمة معموديّتك أن تُثمر في مسيرة قداسة. إسمح بأن يبقى كلُّ ‏شيء مفتوحًا نحو الله ولهذا السّبب اختره، اختر الله دائمًا وأبدًا. لا تفقد العزيمة، لأنّك تملك قوّة الرّوح ‏القدس لكي تكون هذه القداسة ممكنة، فالقداسة، في الواقع، هي ثمرة الرّوح القدس في حياتك (غلا ٥، ‏‏۲۲- ۲۳)" (عدد ١٥).‏  

 

 

قداسة البابا فرنسيس

المقابلة العامّة – سرّ المعموديّة

الأربعاء 16 مايو / آيار 2018‏

ساحة القدّيس بطرس