ماذا يعني قول الحقيقة؟ «متفرقات

 

 

 

أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح يوم الأربعاء مقابلته العامّة مع المؤمنين في ساحة القدّيس بطرس واستهلَّ تعليمه الأسبوعيّ بالقول في تعليم اليوم سنتوقّف عند الكلمة الثّامنة من الوصايا العشر "لا تشهد على قريبك شهادة زور".

 

 

 

 

 هذه الوصيّة – يقول التّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة – "تنهي عن تمويه الحقيقة في العلاقات مع الآخرين" (عدد ٢٤٦٤). إنَّ العيش في تواصل غير حقيقيّ هو أمر خطير لأنّه يمنع العلاقات وبالتّالي يمنع الحبّ. وحيث يكون الكذب لا يكون الحبّ، لا بل لا يمكن للحبّ أن يكون. وعندما نتحدّث عن تواصل بين الأشخاص لا نعني الكلمات وحسب وإنّما التّصرّفات أيضًا والمواقف وحتى السّكوت والغياب. لأنَّ الشّخص يتكلّم بكلِّ ما هو عليه وبكلّ ما يفعله. نعيش جميعًا في تواصل مع الآخرين وفي تأرجح مستمرّ بين الحقيقة والكذب.

 

 

 

 

 

لكن ماذا يعني قول الحقيقة؟ هل يعني أن نكون صادقين؟ أو دقيقين؟ في الواقع هذا الأمر لا يكفي لأنّه يمكننا أن نكون صادقين في الخطأ أو أن نكون دقيقين في التفاصيل بدون أن نفهم المعنى الكامل. وأحيانًا نبرّر أنفسنا قائلين: "لقد قلتُ ما كنتُ أشعر به؟". نعم ولكنّك جعلتَ وجهة نظرك مُطلقة. أو "لقد قلتُ الحقيقة وحسب!" ممكن ولكنّك كشفتَ أمورًا شخصيّة أو خاصّة. كم من الثّرثرة تدمّر الشّركة بسبب أمر غير مناسب أو لنقص في الأدب! لا بل إنَّ الثرثرة تقتل وهذا ما يقوله أيضًا القدّيس يعقوب في رسالته. الثرثار هو شخص يقتل: يقتل الآخرين لأنَّ اللسان يقتل تمامًا كالسكّين. انتبهوا لهذا الأمر. الثرثار هو إرهابيّ لأنّه بلسانه يرمي قنبلة ويذهب، وما قاله أي تلك القنبلة التي رماها تدمّر سمعة الآخرين فيما يذهب هو غير آبه بما فعل. لا ننسينَّ أبدًا: الثرثرة هي قتل.

 

 

 

 

 ولكن ما هي الحقيقة؟ هذا هو السّؤال الذي طرحه بيلاطس، عندما كان يسوع أمامه يحقّق الوصيّة الثّامنة (يوحنّا ١٨، ۳٨). في الواقع إنّ كلمات "لا تشهد على قريبك شهادة زور" تنتمي للّغة القضائيّة. والأناجيل تبلغ ذروتها في رواية آلام وموت وقيامة يسوع؛ وهذه هي رواية محاكمة وتنفيذ عقوبة ونتيجة لم يُسمع بها. وإذ استجوبه بيلاطس قال يسوع: "أَنا ما وُلِدتُ وأَتَيتُ العالَم إِلاَّ لأَشهَدَ لِلحَقّ" (يوحنّا ١٨، ۳٧). وهذه الشّهادة يقدّمها يسوع بآلامه وموته. يروي الإنجيليّ مرقس أنَّ "لَمَّا رأَى قائِدُ المِائَةِ الواقِفُ تُجاهَهُ أَنَّه لَفَظَ الرُّوحَ هكذا، قال: "كانَ هذا الرَّجُلُ ابنَ اللهِ حَقّاً!" (١٥، ۳۹). نعم، لأنّه كان صادقًا وفي أسلوب موته أظهر يسوع الآب ومحبّته الرّحيمة والأمينة.

 

 

 إنَّ الحقيقة تجد ملء تحقيقها في شخص يسوع (يوحنّا ١٤، ٦) وفي طريقة عيشه وموته، ثمرة علاقته مع الآب. وحياة أبناء الله، هو القائم من الموت، يعطيها لنا أيضًا إذ يرسل روح الحقّ الذي يشهد مع أرواحنا بأنَّ الله هو أبانا. في كلِّ تصرُّف له يؤكِّد الإنسان، والأشخاص على هذه الحقيقة أو ينفوها. من الأوضاع اليوميّة الصغيرة إلى الخيارات المُلزمة. ولكنَّه على الدوام المنطق عينه: المنطق الذي يعلِّمنا إيّاه الوالدين والأجداد عندما يقولون لنا ألاّ نكذب. إنّه المنطق عينه.

 

 

 

 لنسأل أنفسنا: ما هي الحقيقة التي تشهد لها أعمالنا وكلماتنا وخياراتنا كمسيحيّين؟ يمكن لكلِّ فرد منّا أن يسأل نفسه: هل أنا شاهد للحقيقة أم أنّني كاذب يتنكّر بالحقيقة؟ ليسأل كلٌّ منّا نفسه. نحن المسيحيّون لسنا رجالاً ونساء خارقين وإنّما نحن أبناء الآب السماويّ الصّالح والذي لا يخيّبهم ويضع في قلوبهم محبّة الإخوة. هذه الحقيقة لا نقولها بالخطابات بل هي أسلوب حياة ونراه في كلّ عمل بمفرده. قد يقول أحدكم: "هذا الرّجل صادق وتلك امرأة صادقة وهذا واضح!" – "كيف تقول ذلك إن لم يتكلّما؟" – "يتصرّفان بصدق ويقولان الحقيقة، وهذا أسلوب حياة جميل".

 

 

 

الحقيقة هي ظهور الله الرّائع ولوجهه كأب، إنّها محبّته التي لا تعرف الحدود. هذه الحقيقة تنسجم مع العقل البشريّ ولكنّها تتخطّاه بشكل هائل لأنّها عطيّة نزلت إلى الأرض وتجسّدت بالمسيح المصلوب والقائم من الموت؛ وهي تصبح مرئيّة بفضل من ينتمي إليه ويُظهر مواقفه عينها.

 

 

 

 

 لا تشهد بالزّور تعني أن نعيش كأبناء لله الذي لا يكذّب نفسه ولا يتفوّه بالكذب أبدًا، وبالتالي علينا أن نعيش كأبناء لله ونسمح بأن تظهر الحقيقة الكبرى في كلّ عمل نقوم به أنّ الله هو أبّ ويمكننا أن نثق به. أنا أثق بالله وهذه هي الحقيقة الكبرى، ومن ثقتنا بالله الذي هو أب ويحبُّني ويحبّنا تولد حقيقتي وكوني شخص صادق لا كذاب.

 

 

 

 

إذاعة الفاتيكان.