يا رب، علمنا أن نصلي «متفرقات

 

 

يقدّم لنا إنجيل لوقا يسوع المتأمل في الصَّلاة، بعيدًا عن تلاميذه. لمّا انتهى، سأله أحد تلاميذه: "يا ربّ، علّمنا أن نصلّي" (لو 11، 1).

 

لم يُبدِ يسوع أيَّ اعتراض، ولم يتحدّث عن عبارات غريبة أو سرّية، بل قال ببساطة: "عندما تصلّون، قولوا: …"، وعلّمهم الأبانا (لو 11: 2، 4) التي استمدّها من صلاته الخاصّة، الصَّلاة التي كان يخاطب بها الله أباه.

 

ينقل لنا القدّيس لوقا الأبانا بصورة أكثر اختصارًا من صلاة إنجيل متى التي أصبحت شائعة. نجد هنا الكلمات البيبليّة الأولى التي نتعلّمها منذ الطفولة. إنّها تنطبع في ذاكرتنا، وتصوغ حياتنا، وترافقنا حتى نفسنا الأخير.

 

وتظهر لنا أنّنا لسنا بعد أبناء الله بطريقة مكتملة، وإنّما ينبغي علينا أن نكون كذلك أكثر فأكثر من خلال شركتنا العميقة مع يسوع. فتصبح البنوّة مساوية لاتّباع المسيح.

 

هذه الصّلاة تعبّر أيضًا عن الاحتياجات الماديّة والرُّوحيّة وتلبيها: "أعطنا خبزنا كفاف يومنا واغفر لنا ذنوبنا وخطايانا" (لو 11: 3، 4). وبسبب الاحتياجات والصعاب اليوميّة تحديدًا، يحثّ يسوع بقوَّة على ما يلي: "فإني أقول لكم: اطلبوا، تعطوا؛ اسعوا، تجدوا؛ اقرعوا، يفتح لكم؛ فإن كلَّ من يطلب ينل، ومن يسعى يجد، ومن يقرع يُفتح له" (لو 11: 9، 10).

 

لا يتعلّق الأمر بالسؤال لإشباع الرَّغبات الخاصَّة، بل بالأحرى للحفاظ على حيوية الصداقة مع الله الذي – وكما يكرّر الإنجيل من دون انقطاع – "يهب الرّوح القدس لمن يسألونه" (لو 11، 13). هذا ما اختبره "آباء الصّحراء" القدامى، والمتصوّفون في جميع الأزمنة الذين أصبحوا من خلال الصَّلاة أصدقاء الله كإبراهيم الذي ابتهل إلى الله أن يحفظ الأبرار من دمار مدينة سدوم (تك 18: 23، 32).

 

كانت الأخت تريزيا الأفيليّة تدعو أختيها في الرّهبنة قائلة: "ينبغي علينا أن نطلب من الله أن يحرِّرنا من كلِّ خطر إلى الأبد، وينجّينا من كلِّ شرّ. وحتى ولو كانت رغبتنا ناقصة، فلنجتهد في الإصرار على هذا الالتماس. فماذا يكلّفنا طلب الكثير، بما أنّنا نخاطب الكلّي القدرة؟" (Cammino، 60 (34)، 4، في Opere complete، ميلانو 1998، ص. 846).

 

في كلِّ مرَّة نتلو الأبانا، ينضمُّ صوتنا إلى صوت الكنيسة لأنَّ من يصلّي لا يكون وحيدًا أبدًا. ينبغي على كلِّ مؤمن أن يسعى ليجد في حقيقة وثروة الصّلاة المسيحيّة التي تعلّمها الكنيسة، دربه، طريقة صلاته… هكذا يسير… بهدي الرُّوح القدس الذي يُرشده من خلال المسيح نحو الآب.

 

 

البابا بنديكتس السادس عشر - 2010